“حِراك” لإيجاد مكان آمِن في سوريا لمئات آلاف اللبنانيين
جاء في “الراي”:
لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أوراق عدة للبقاء في السلطة «لمدة طويلة» ما دام الحِراك في الشارع ضدّه مازال تحت السيطرة وليس بالعدد الكافي لتهديده… كما إن أعداد مقاعد المعارضة في الكنيست لا تشكل خطراً عليه ولا تستطيع فرض انتخابات مبكرة، لازاحته.
من هنا فإن إبقاءَ الحرب على غزة – في ظلّ صمودٍ بطولي للمقاومة ولكن بإمكانات متواضعة لا تشكّل خطراً على الجبهة الداخلية الإسرائيلية رغم الخسائر المرتفعة لجيش الاحتلال – هو أسهل الخيارات المتاحة لنتنياهو.
أما الجبهةُ اللبنانية فهي أكبر بكثير من «وكر دبابير» بلسعاتٍ مميتة، حيث إن اندلاع حرب شاملة سيعني أذى كبيراً سيلحق بصفوف الجيش الإسرائيلي وكذلك في الجبهة الداخلية. ولذلك، فإن نتنياهو أذكى من الذهاب نحو انتحارٍ سياسي بإعلانِ حرب على لبنان لا يستطيع التكهن بنتائجها وتداعياتها.
ورغم تلميحاته العدوانية المتعددة، فإن الوضع القائم وبالمعطيات الحالية لا يدلّ على رغبة إسرائيل في أخذ المبادرة الهجومية، ولو المحدودة، لتوسيع الجبهة اللبنانية.
وخلال مؤتمره الصحافي الأخير، سئل نتنياهو عن التوقيت الذي سيسمح فيه للجنة التحقيق بتحديد مسؤولية الفشل في منْع هجوم السابع من تشرين الاول، فأجاب «لن نسمح بتشكيل لجنة تحقيق أثناء الحرب بل بعد انتهائها. فالجبهة مازالت ساخنة ومن المحتمل ان تندلع جبهات أخرى (مع لبنان)».
وأشار إلى أن «الجبهة الشمالية لا يمكن تركها كما هي وستتغيّر الأمور هناك ليس لأسابيع أو لأشهر بل لأجيال قادمة ليعود سكان (المستوطنون) المنطقة إليها ويُلَقَّنَ مَن يفكّر في مهاجمة إسرائيل درساً لن ينساه».
وهذه التلميحات ذاتها التي أشار إليها لبدء الهجوم على غزة.
وتقول مصادر مطلعة إن «نتنياهو يناور، إذ يهدّد بالحرب ويوجّه رسائل عدة عبر وسطاء أميركيين وأوروبيين بعروضٍ تتضمّن إعطاء حزب الله المزيد من السيطرة على الساحة اللبنانية في مقابل وقف الحرب نهائياً على إسرائيل المستعدة للانسحاب من الأراضي اللبنانية».
وتؤكد أنه «لو كان نتنياهو يستطيع شنّ حرب على لبنان لَما أغدق الوعود على حلفائه الدوليين، بل كان بالإمكان تَضامُن الجميع لتدمير حزب الله كما فعلوا عام 2006 – وفشلوا حينها – عندما كان الحزب أضعف بكثير مما هو عليه اليوم».
ويبدو أن الأمور قد انقلبت رأساً على عقب. فإسرائيل ترسل إشارات عدة شفوية بأنها تحضّر لعملية عسكرية كبرى، ليس لبدء هجومها، بل لمنْع أي هجوم عليها. إذ ترى قياداتها أن هناك تكتلات عسكرية وتحضيرات مدنية في لبنان وسورية وتَجَمُّع لقواتٍ تنتمي إلى محور المقاومة بأعداد مرتفعة.
كذلك ثمة حِراك لإيجاد مكان آمن في سورية لمئات الآلاف من المهجّرين اللبنانيين في حال اندلاع حرب استباقية على إسرائيل. وقد قام الجيش الإسرائيلي بمحاكاة دفاعية على الحدود اللبنانية وفي الجولان المحتل، ما يدلّ على غياب خطط هجومية في الوقت الراهن، وفي المعطيات الحالية، لدى قيادة الأركان.
وفي استطلاع شمل الآلاف من مجتمع «حزب الله» من مشارب ومناطق متعددة حول آراء البيئة الحاضنة في ما خص توسع الحرب، أعربت الغالبية عن تقبُّلها لِما يحدث ولإمكان تَدَحْرُجه إلى مستويات أكثر دماراً وكلفة.
وأبدى هؤلاء استعدادهم لدفع الثمن المطلوب في الوقت المناسب – كما يحصل منذ 10 أشهر – والمساهمة بما يملكونه من أرزاق وأرواح في سبيل فرْض واقع جديد على إسرائيل يساهم بوقف الحرب على غزة وفق مقاربة إنسانية «من شعب مظلوم على مر التاريخ (لبناني) إلى آخر مظلوم (فلسطيني) منذ عشرات الأعوام».
وهذا يتطابق مع دراسة أجراها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الموالي لإسرائيل، والذي يقترح على الإدارة الأميركية سياستها. إذ كتب ماتيو ليفيت مدير برنامج مكافحة الإرهاب، وديفيد شينكر، الموفد الأميركي السابق للبنان ومدير البرامج السياسية العربية، وأساف أوريون العميد الإسرائيلي السابق، ان «لا تَذمُّر يصدر عن البيئة الحاضنة لحزب الله المتضرّرة مباشرة بل من جهات لبنانية أخرى لم تتأثر بما يحدث، وهذا أمر غير مسبوق».
إضافة إلى ذلك، يرى المراقبون أن كميةً ونوعية السلاح المتدفق إلى «حزب الله» في الأشهر الأخيرة لم تكن لها سابقة في الماضي، تحضيراً للاستعداد لحربٍ محتملة تؤلم إسرائيل لدرجة لم تعهدها من قبل.
إذ يرى حلف المقاومة مستوى الهمجية المستخدَمة ضد الفلسطينيين، ولا يتوقّع أن تبدي إسرائيل وحشيةً أقلّ ضد لبنان إذا سنحت لها الفرصة لذلك.
لذا فإن نوعيةَ السلاح المتدفّق تتناسب مع مستوى مدمّر يُراد معه أن تتذوّق إسرائيل نفس طعم الدمار الذي يستطيع سلاح الطيران المتفوّق فعلَه في أرض الآخَرين.
وتؤكد المصادر أن «حزب الله لن يتوقف في منتصف الطريق إذا وقعتْ حرب أشمل، ولن يساوم على أي شيء، ولن يستمع لأي وساطة، وهو يتوقع أن تضرب إسرائيل وتدمّر آلاف الأهداف. وقد تهيأ الحزب لتدمير أعداد مماثلة في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل دون حدود أو سقوف أو قواعد اشتباك أو مدة زمنية محددة، بل حرب مفتوحة».
ويبدو أن قادة إسرائيل العسكريين على دراية بمدى استعداد الحزب الذي لم يتردّد في استفزاز الكيان الصهيوني منذ اليوم الأول الذي قرر فيه فتْح جبهة إسنادٍ لفلسطين وغزة. وكذلك هو لم يَضرب بيدٍ خفيّة كلما هدّدتْ إسرائيل بعملٍ حربي واسع على لبنان، بل تَحَدّاها أكثر بتكثيف الضرباتِ كَمّاً ونوعاً وتدميراً.
ويَستخدم الحزب أسلحةً جديدةً في كل فترة زمنية وبشكل متدرّج يبدو معه أنه غير مستعجل من أمره، كما أنه لا يهتزّ قيد أنملة عند اغتيال قادة ميدانيين ويَستبدلهم بآخَرين ينتظرون دورَهم.
بل ذهب أكثر من ذلك. فمنذ الإعلان عن قيام الكيان الغاصب، لم تجرؤ قوةٌ في العالم على أن تقوم بمسْحٍ للمواقع العسكرية والدفاعية والهجومية، وحتى البنية التحتية المدنية في كامل الشمال والشرق، كما فعل «حزب الله» من خلال مسيّراته، وقد شارك جزءاً يسيراً من «معلوماته» على الملأ.
وكما يبدو، فإن الأمورَ مفتوحةٌ على شتى الاحتمالات وخصوصاً بعدما أكد نتنياهو أنه غير مهتمّ بوقف الحرب على غزة، وهو ينسف المفاوضات كلما اقتربتْ من نقطة الاتفاق.
ومن الواضح أن إسرائيل لن تكون المُبادِرة إلى حربٍ ضدّ مَن يملك الروحيةَ العاليةَ للقتال والسلاح الوفير والنوعي المدمّر والذي يشتاق لإيقاع ألم مبرح وتدميرٍ غير مسبوق لمجتمع فَقَدَ الثقةَ بجيشه وحكومته ويعيش حالة اللا يقين منذ عشرة أشهر ومن يحضّر حلفاءه للمشاركة في حرب شاملة لا أحد يعلم نتائجها.
ويبقى السؤال: كيف تبادر إسرائيل إلى حربٍ على جبهةٍ متينة وهي لا تملك معدات عسكرية ودبابات، وبجنودٍ فَقَدوا الثقة بقيادتهم ولا يتحلّون بروحية القتال وبرعوا في قتل الأطفال والنساء الفلسطينيين، ويدركون أن من ينتظرهم هي قوات تَمَرَّسَتْ في قتال الشوارع والمدن ونصْب الأفخاخ وتتحرك تحت الأرض وتملك قوات خاصة هائلة تدرّبت ليوم المواجهة مع إسرائيل؟
لقد نَقَلَ الحزب، الحرب إلى الأراضي التي تسيطر عليها الصهيونية ليصيب أهدافاً متعددة ويزرع حالة اللا يقين في قلوب مستوطني الشمال والجنود المختبئين على الحدود اللبنانية، ويسجّل انتصاراً قبل بدء الحرب الحقيقية الشاملة.
وتالياً ما توقعات الكيان إذا بدأت حربٌ نتائجُها كارثية عليه؟ هذا ما يدركه القادة الإسرائيليون اليوم وهم في حال انتظار يتمنّون أن يبقى حزب الله على أهدافه الحالية دون تطويرها إلى… ما بعد، بعد الحدود.