“الحزب” يسلّم الراية لـ”أنصار الله”
بعد أن تأكدت صحة خبر «الجريدة» عن زيارة قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني إلى بيروت ولقائه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، حيث جرى التأكيد على ضرورة عدم الذهاب إلى حرب شاملة بين الحزب وإسرائيل، جاءت المعلومات عن استضافة بيروت لاجتماع تنسيقي بين حركة «أنصار الله» الحوثية وحركة حماس الفلسطينية، لتسلط الضوء على مسعى إيراني، لإبعاد حزب الله عن خطر حرب قد تعرضه لأضرار كبيرة لمصلحة دور أكبر للحوثيين.
وكانت «الجريدة» أول من كشف الخبر في 28 شباط الماضي، متطرقة إلى معلومات لا تزال الأحداث والتفاصيل المستجدة تكشف أن مضمونها كان دقيقاً، حيث يمكن اختصار كل اللقاءات والجولات بأن غايتها كانت تجنّب الحرب وتلافي اتساع رقعتها بين إسرائيل والحزب، وعدم الانجرار إلى كل استفزازات تل أبيب. كما كشفت «الجريدة»، قبل أيام قليلة، عن مضمون جديد للقاءات التنسيقية بين الحزب والحرس الثوري حول الخط الأحمر الذي تم وضعه، وهو منع إسرائيل من القيام بعملية برية، أما فيما دون ذلك فلن يصعّد الحزب عملياته ولن يُستدرج إلى الحرب.
الآن باتت أسباب ذلك معروفة، فإيران تنظر إلى حزب الله على أنه درّة تاج مشروعها في المنطقة، ولا يمكن التضحية به، وأي حرب واسعة ستندلع في لبنان فستخلق أزمات ومشاكل كثيرة أمام الحزب ليس فقط على الجانب العسكري أو الأمني، بل في مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً أن أي حرب كبرى ستؤدي إلى تدمير لبنان مع ما يستتبع ذلك من انقلابات سياسية داخلية على الحزب، إضافة إلى الأزمة الكبرى التي ستعانيها الطائفة الشيعية التي سيتهجّر أبناؤها وستدمّر مدنهم وقراهم، ثانياً، هناك تركيز إيراني واضح على الدور الذي تلعبه جماعة «أنصارالله» الحوثية في اليمن.
أصبح الحوثيون يؤدون دوراً كان قد اضطلع به حزب الله منذ الثمانينيات حتى عام 2006، بخوض الحرب المتعددة والمتفرقة في اتجاهات مختلفة للوصول إلى تكريس الدور الذي كرّسه، باعتراف قوى داخلية لبنانية وخارجية إقليمياً ودولياً، وهذا ما تسعى إيران إلى تحقيقه عبر الحوثيين، من خلال العمليات التي يقومون بها في البحر الأحمر، وهي عمليات تجرى على وقع المفاوضات الأميركية – الإيرانية بسلطنة عمان وفي غيرها وعبر الكثير من الوسطاء، في سبيل الوصول إلى تفاهمات تعيد رسم قواعد الاشتباك واللعبة على طرق الملاحة والمعابر التجارية الدولية. وبمثابة تأكيد لما كانت «الجريدة» نشرته مسبقاً حول تجنّب حزب الله وإيران دخول حرب واسعة، يأتي خبر اجتماع الحوثيين مع حركة حماس في بيروت الأسبوع الفائت، وذلك للبحث في التنسيق حول مسار العمليات وتصعيدها بشكل يسهم في مساعدة غزة ومساندتها.
لم يكن تسريب هذا الخبر بالأمر البسيط، بل غايته القول إن إيران تهتم بجبهة اليمن وتصاعدها، بينما لبنان وجنوبه غير مدرجين على جدول أعمال التصعيد، علماً بأن وفد «حماس» كان قد التقى نصرالله أيضاً ووضعه في صورة المفاوضات الجارية. ولعل إعلان خبر اللقاء بين «حماس» والحوثيين غايته الإشارة إلى أن حزب الله غير معنيّ بالتصعيد العسكري ولا بدخول حرب، وهذا مؤشر على الربط المباشر بين «حماس» والحوثيين للتركيز على عمليات البحر الأحمر بدلاً من لبنان، وبالتالي تحويل ثقل المعركة إلى هناك. يأتي ذلك في ظل استمرار مساعي الوصول إلى هدنة في قطاع غزة تنسحب على مختلف الجبهات.
واللافت أنه على وقع هذه التسريبات تراجعت حدة ونوعية وكثافة العمليات العسكرية التي تشهدها الحدود الجنوبية للبنان، فعلى مدى 3 أيام كانت المواجهات أقل من عادية وروتينية، وهو ما تضعه مصادر سياسية في خانة رسائل متبادلة بين الطرفين بشأن رفض التصعيد. أمام هذه الوقائع لا تزال الآراء في لبنان منقسمة، بين من يبدو مطمئناً إلى انعدام توسّع الحرب وانتظار الهدنة وما يليها من تسويات، وبين مَن يعتبر أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سيبقى مصرّاً على التصعيد في لبنان لتحقيق أهدافه، خصوصاً أن الإسرائيليين يعتمدون سياسة تدمير ممنهجة لقرى الشريط الحدودي بشكل كامل، وذلك لإعدام مقومات الحياة فيها، وبذلك يعلنون فيما بعد أنهم أبعدوا الحزب عن الحدود.