إسرائيل تفصل “الحزب” عن سوريا
كتب منير الربيع في “المدن”:
تتزاحم الأحداث العسكرية وتتشابك على وقع إعلان العدو الإسرائيلي بدء عمليته العسكرية في لبنان. إثر محاولات كثيرة للتقدّم، اتخذت إيران قراراً بتوجيه ضربة لتل أبيب. في الموازاة، يعلن الحوثيون عن استعدادهم للانتقال إلى المرحلة الخامسة من مواجهاتهم. يدفع ذلك الإسرائيليين إلى إعادة التأكيد أنهم يخوضون حرباً على جبهات متعددة. التركيز الآن هو على الجبهة اللبنانية، خصوصاً بعد تأكيد حزب الله قدرته وسرعته بإعادة استجماع قوته، والانطلاق في تنفيذ عمليات والتصدي للتوغلات البرية، ما أوقع خسائر في صفوف قوات الاحتلال.
لا يمكن الحسم في تسمية العمليات البرية التي بدأها الإسرائيليون، وتعثّرت بسبب ضربات الحزب، مع اعترافهم بوقوع خسائر. هناك سيناريوهات عديدة لما جرى، إما أن تكون محاولات إشغال أو تشتيت أو جس نبض، أو استخفافاً بقدرات الحزب. وذلك ما يبقي الاحتمالات مفتوحة حول الجهات التي يمكن التوغل منها، ولا سيما من الجهة الشرقية.
تفكيك الجبهات ميدانياً
للمعركة آليات عديدة، في وسطها يستهدف الإسرائيليون بعض الرادارات أو المواقع في جنوب سوريا، ذلك لا ينفصل عن ضربات استهدفت دمشق ومحيطها على مدى يومين متتاليين في إطار زيادة الضغط على النظام وتطويق إيران وحلفائها هناك، وذلك تمهيداً للمزيد من العمليات. فما يسعى إليه الإسرائيليون أيضاً هو قطع طرق الإمداد عن حزب الله في سوريا. وهو ما سيستدعي تنفيذ عمليات أو إنزالات مشابهة لعملية مصياف. وبذلك يكون الإسرائيليون قد انتقلوا من مرحلة “تفكيك الجبهات” بالمعنى السياسي أو الرسائل العسكرية، إلى تفكيكها بالمعنى الميداني، من خلال التوغل في الأراضي السورية، من دون إغفال التحذيرات والتهديدات التي أطلقها بنيامين نتنياهو لبشّار الأسد في الأيام الأولى من الحرب، محذراً إياه من إسقاط نظامه في حال انخرط في هذه المعركة. وهنا نجحت إسرائيل في الفصل السياسي والعسكري بين الجبهات.
إعادة انتاج التوازنات
الهدف الأكبر إسرائيلياً هو تفكيك “محور المقاومة”. هذا الهدف المستحيل التحقق بالنسبة إلى المحور، من شأنه أن يطيل أمد الحرب ويوسّع مدياتها، وسط توقعات بتوسيع الإسرائيليين لرقعة الاشتباك. ولذلك، احتمال الدخول العسكري إلى بعض المناطق السورية هو أمر جدّي وقابل لأن يحصل. في المقابل، عمل النظام السوري على تحييد نفسه عن هذه المعركة، ويحاول بذلك فتح قنوات وخطوط مع الغرب ومع الأميركيين. كما أنه لا يمكن إغفال تأثير تحسن علاقاته العربية على هذه التطورات والموقف الذي اتخذه. في هذا السياق، يمكن أن يتضح المشروع بالنظر إليه من منظور أوسع، فبالربط بين الموقف الدولي المؤيد لإضعاف حزب الله عسكرياً، والمطالبة بتحول سياسي كبير في لبنان.. سيكون له ما يشبهه في سوريا أيضاً. وهو ما تسلكه بعض الدول الغربية والعربية في الانفتاح على دمشق، على قاعدة تغيير سلوك النظام وإعادة انتاج توازنات سياسية.
رهان نتنياهو على ترامب
الضغوط السياسية والعسكرية على سوريا، والمشروع الذي يتحدث عنه نتنياهو حول تغيير وجه المنطقة، هو محاولة أو إعادة فرض “إقناع” النظام السوري بنظرية “تغيير السلوك”، وفق قاعدة سابقة وضعها باراك أوباما تجاه إيران، لكنها لم تنجح في حينها سياسياً وديبلوماسياً. فتجري محاولة فرضها عسكرياً من خلال إسرائيل المدعومة من واشنطن، ومن خلال المفاوضات التي تخوضها واشنطن مع طهران. نجاح ذلك لا يزال غير مضمون، وهو ما يمكن أن يفرض متغيرات عسكرية أو سياسية على مسار المعركة وأهدافها. خصوصاً أنه ما بعد إلغاء دونالد ترامب للاتفاق النووي لم تنجح إدارة جو بايدن الديمقراطية في العودة إلى هذا الاتفاق، لا بل إن بايدن يغطي إسرائيل في عملياتها العسكرية ومساعيها لتفكيك المحور بالإضافة إلى مواصلة الاستهدافات والاغتيالات بهدف تقويض مشروع إيران.
ما يزيد الضغط على الأميركيين في هذا المجال، هو إصرار نتنياهو على مواصلة العمليات، من جهة، واستحقاق الانتخابات الذي لا يمكن فيه للإدارة الأميركية الوقوف في وجه إسرائيل أو التخلي عن دعمها المطلق لها؛ وما يعطي دفعاً جديداً لنتنياهو هو مقال جاريد كوشنير الذي أشار فيه إلى وجوب دعم اسرائيل المطلق في عمليتها بعد اغتيال نصرالله. ما يعطي مؤشراً حول المسار العسكري والسياسي الذي سيسلكه ترامب في حال انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، وسط محاولات أميركية لإقناع الإيرانيين، وخصوصاً الرئيس الجديد مسعود بزشكيان بنظرية “التخلي عن السلاح” كوسيلة لفرض النفوذ، والعودة إلى القواعد السياسية والديبلوماسية من قبل إيران وحلفائها. وهو ما ترفضه إيران، التي أصر مرشد الجمهورية والحرس الثوري على استخدام السلاح وضرب إسرائيل.