العلاقة السنّية – الشيعية لا تستقيم مع اختلال بالمسيحيين
كتب أحمد الأيوبي في “نداء الوطن”:
مع تدهور العلاقة بين «التيار الوطني الحرّ» و»حزب الله» وخسارته الكثير من الغطاء المسيحي على المستوى السياسي وعلى صعيد موقف المرجعيات الدينية مع سقوط محاولات الحوار المتتالية مع بكركي… عادت نغمة يدندن عليها أصحاب نظرية «الاستقواء» السني – الشيعي على المسيحيين وذهب بعضهم إلى اعتبار أنّ «الحزب» لا يحتاج إلى الغطاء المسيحي نظراً لقدراته في الداخل والخارج، وارتفعت وتيرة هذا الطرح منذ عملية «طوفان الأقصى» من خلال تصوير اصطفاف وهمي يوحي بأنّ الأطياف المسيحية ليست مع القضية الفلسطينية وأنّ على السنة والشيعة الاتفاق وحسم الموقف وفق توازنات موازين القوى العسكرية والعددية والسياسية، الأمر الذي أعاد إنتاج لغة استفزازية أبرز نماذجها ذلك التخاطب يوجّهه المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان إلى البطريرك بشارة الراعي.
نشط «حزب الله» بالتزامن مع الحرب على غزة لتجاوز آثار وتداعيات 7 أيار 2008 ثم تبعات مشاركته في قمع الشعب السوري تحت شعار توحيد الموقف من القضية الفلسطينية فحاول تصوير نفسه في خندق واحد مع القوى السنية التي تعاطفت بشكل واسع مع أهل غزة رغم وجود اختلافات جوهرية في طبيعة المواقف وتشكيلها وانعكاسها على المستوى الداخلي، فلا أحد من النواب والقوى السنية يقبل إجمالاً بممارسات «الحزب» في الداخل، وخاصة في ما يتعلّق بتعطيل رئاسة الجمهورية وبالإصرار على ضرورة إنتاج استراتيجية دفاعية وطنية تُنهي الحالة الراهنة.
ظهر التباين الداخلي السني مع «حزب الله» في مواقف «تكتل الاعتدال» وفي تمايز «الجماعة الإسلامية» وإصرارها على الاستراتيجية الوطنية للدفاع، فضلاً عن المواقف التي يتمسك بها النواب السنة المعارضون: أشرف ريفي، فؤاد مخزومي إيهاب مطر وبلال حشيمي، حيث يذهب هؤلاء إلى الربط بين وقائع التفاوض الخارجي التي يذهب إليها «حزب الله» وضرورة الحفاظ على التوازنات الداخلية وحماية الدستور ورفض العبث بالمعادلات التي أرساها.
يسعى «حزب الله» إلى استبدال أطراف المعادلة للإبقاء على عناصر التصلّب لكن باستبدال الغطاء المسيحي بتحالف سني – شيعي مبنيّ على إعلاء شعار المقاومة، لكنّ هذا الطرح يصطدم بعوائق كثيرة، أهمها أنّ الجميع بات يدرك ويتعامل مع الواقع السياسي على أساس أنّ «الحزب» يعلِّق لبنان على خشبة الانتظار الإقليمي والدولي حتى يُنهي صفقاته الخاصة التي لا ينال اللبنانيين منها سوى دفع الأثمان الباهظة في السياسة والاقتصاد على حدٍّ سواء.
بلغت المخاطر على الجنوب حدود الخطوط الحمراء ومعها ارتفع صوت القوى السيادية ومعها بكركي من أجل تجنيب لبنان مخاطر الحرب التي تقترب أكثر فأكثر مع تغوّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنامين نتنياهو وفريقه الحاكم في التوحش على غزة بغطاء أميركي دولي إقليمي، وبدأ الحديث عن أنّ استمرار الجمود الراهن يفتح الباب أمام العواصف الإسرائيلية بعد أن فتح الغطاء الأميركي الشهية للحكم في إسرائيل على مغامرة كبيرة في لبنان بالتوازي تضخّم الغارات على سوريا وآخرها استهداف القنصلية ومنزل السفير الإيراني في دمشق.
تدعو مراجع دينية وسياسية إلى سرعة استيعاب وفهم الرسائل الصادرة عن المواقع المسيحية بدءاً من قداس رميش وليس انتهاءً بالتصعيد الذي اعتمده البطريرك الراعي في مواقفه الأخيرة وخلاصتها أنّ المسيحيين لن يتركوا أرضهم هذه المرة مهما كانت الظروف والأوضاع بعكس ما حصل في حرب العام 2006 وأياً تكن التداعيات والنتائج، وأنّ أهالي المناطق الحدودية لن يرحبوا بالاحتلال كما فعل كثيرون زمن الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وما قبله، لكنّهم لن يتخلَّوا عن وجودهم في أرضهم فالاحتلال بكل أنواعه يزول، ويبقى أصحاب الأرض والحق في بيوتهم وحقولهم التي تحوّل الكثير منها إلى رماد بسبب واقع جبهة التحريك في الجنوب.
ويذهب بعض الذين يتوقعون الأسوأ، إلى طرح الاحتمالات حول كيفية إدارة الأزمات مع ترجيح تعرّض لبنان للمزيد من المخاطر ليطرحوا معادلة أنّ الدولة العاجزة عن حماية المواطنين والدفاع عنهم لا يحقّ لها أن تحاسبهم على ما سيقومون به للحفاظ على وجودهم، فمعايير السلطة القائمة في التخوين واستخدام ما تبقى من أجهزة الدولة لا تصلح مع انهيار المنظومة الوطنية والاقتصادية والقضائية والمالية والاجتماعية، ويحذِّر هؤلاء من أنّ الأحداث التي يُخشى وقوعها ستخلق وقائع تختلف عن السائد الآن.
يُنهي مرجع ديني شماليّ هذا النقاش بالقول إنّه لا يمكن أن تستقيم المعادلات في لبنان باستقواء طرف على آخر أو باصطفافات طائفية أو مذهبية لأنّ العلاقات بين السنة والشيعة لا تستقيم مع اختلال العلاقة بالمسيحيين، محذِّراً من أنّ الرفض لفرض الأمر الواقع لن يقتصر على فئة بعينها، بل إنّ إشاراته تصدر من أغلب الشرائح والمناطق داعياً إلى الاستدراك بحوار وطني عاجل لحماية لبنان قبل فوات الأوان.