سياسة

ممر «الشمال ـ الجنوب»: مشروع واعد… بعقباتٍ كثيرة

عماد الشدياق نقلاً عن “القدس العربي”

بعد مضيّ أكثر من 20 عاماً على توقيع روسيا وإيران والهند على الوثيقة الأولى لإنشاء الممر الدولي للنقل بين الشمال والجنوب (INSTC)في عام 2000، عاد الحديث عن هذا الممر الحيويّ، الذي يُفترض أن يربط بين الصين والهند وروسيا وكذلك أوروبا، ليتحوّل عنصراً أساسيّاً في إطار النقل ضمن القارة الأوراسية. إلاّ أنّ البلدان المشاركة في هذا المشروع قد تواجه تحديات للتغلّب على أكثر من 40 حاجزاً من حواجز البنى التحتية، والتعريفات الجمركية والإدارية والمالية. التأثيرات الأكبر على تطوير هذا المشروع، ستكون: ضعف الروابط وتعثّر مشاريع النقل والخدمات اللوجستية، إضافة إلى الافتقار للتعريفات الجمركية المنسقة وإجراءات عبور الحدود الورقية، من دون أن ننسى فقدان المشروع، حتى الآن، لآلية تنسيق فعّالة بين الدول المشاركة فيه من أجل إدارته.

المسارات والتكلفة

تبلغ تكلفة المشروع قرابة 38.2 مليار دولار أمريكي، وهو طريق متعدّد الوسائط، يبلغ طوله أكثر من 7 آلاف كيلومتر، ومن المفترض أن يربط مدينة سانت بطرسبرغ الروسية بموانئ إيران ثم الهند، وينافس قناة السويس المصرية في نقل البضائع، وسوف يتضمّن 3 مسارات:
– المسار الأوسط عبر بحر قزوين: يبدأ برا من مدينة سان بطرسبورغ شمال غرب روسيا، إلى منطقة أستراخان الروسية المطلة على بحر قزوين، ثم يتم شحن البضائع بحراً بواسطة السفن إلى ميناء بندر أنزالي الإيراني على ساحل بحر قزوين، ثم نقلها براً إلى ميناء تشابهار الإيراني المطل على المحيط الهندي، بعد ذلك شحنها بحراً إلى مدينة بومباي في الهند.
– المسار الشرقي: وهو مسار بري ينطلق من روسيا إلى إيران مروراً بدول آسيا الوسطى، أي كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان.
– المسار الغربي: ينطلق من روسيا إلى إيران براً عبر أذربيجان، حيث يُنتظر إكمال بناء خط سكة حديد رشت – استارا داخل إيران بطول 160 كلم، لربط ميناء بندر أنزالي الإيراني مع شبكة السكك الحديدية الروسية عبر أذربيجان، ما يوفر طريقاً مباشراً لنقل البضائع.

المزايا

يتمتع هذا المشروع بمزايا واعدة عدّة، أهمّها ما يلي:
1- تقليل اعتماد الدول الأوراسية على قناة السويس.
2- استخدام وسائل نقل برية وبحرية وسكك حديدية معاً.
3- طريق بديل بين الهند وآسيا الوسطى، متجاوزاً الأراضي الباكستانية، وطريق بديل من الهند والصين صوب القارة الأوروبية، متجاوزاً البحر الأحمر وصولاً إلى افريقيا وكذلك متجاوزاً البوسفور والموانئ الرئيسية التقليدية في أوروبا، مثل روثرهام، هامبورغ، جناوى، تريستا، ثيسالونيكي.
4- يؤسس المشروع لتكامل بين الدول المشاركة فيه كمركز عالمي جديد.
5- يختصر المسافات مقارنة مع قناة السويس، إذ تصل المسافة التي تقطعها البضائع عبر ممر «الشمال ـ الجنوب» إلى النصف، أي 7200 كيلومتر، بدلاً من 16000 كيلومتر عبر السويس.
6- سيزيد أهمية التجارة بين دول الشمال والجنوب، خصوصاً بعد تطورها قدماً نتيجة التغيّرات التجارية والجيوسياسية، وسيكون مستقبلاً: الناقل الجنوبي لـ»اللوجستيات الجديدة» الناشئة.

العقبات

هذا المشروع تعترضه مجموعة من العقبات المالية واللوجستية وحتى السياسية ـ الجغرافية، ويمكن حصرها بالتالي:
– في إطار تطويره، فإنّ الدول المشاركة في المشروع ستكون مجبرة على توجيه أكبر استثمارات من إجمالي تكلفة المشروع، أي ما يقارب 69% منها لتطوير فرعه الغربي (بين روسيا وإيران)، بينما سيتطلب الفرع الشرقي 12%، وفرع بحر قزوين 19%، لأنّ معظم الاستثمارات المطلوبة لتطوير البنية التحتية تقع بين روسيا وإيران. في روسيا سيتطلب المشروع تطوير الطرق السريعة. أمّا في إيران، فسيتطلب بناء خطوط سكك حديدية والطرق السريعة، ما سيزيد بشكل كبير من قدرة استيعاب الشبكة الرئيسية ويخفف الازدحام.
– في فرع بحر قزوين، تكمن مشكلة إيران أنّ بعض موانئها غير متصلة بشبكة السكك الحديدية، كما أنّ الفروع الحالية، لديها قدرة منخفضة بسبب نقص الكهرباء والطرق ذات الخط الواحد والتضاريس الصعبة في شمال البلاد.
– التنظيم الجمركي هو الآخر، سيحتاج تطويراً على مستويات مختلفة، كونه يفتقر إلى تدفق المستندات الرقمية المتناغمة بين دول المشروع، كما يفتقر للقيود المتعلقة بتحويل العملات وتأمين البضائع من قبل البنوك، ناهيك عن التقلب الشديد في سعر الصرف الفعلي للعملة الإيرانية نتيجة العقوبات، التي ستتسبّب بالضرر للعمليات التجارية.
– ضعف الخدمات اللوجستية وبطؤها سيؤثر على تكلفة البضائع المنقولة من روسيا إلى إيران، إضافة إلى غياب الرقابة الجمركية المشتركة والتنسيق بين سائر الدول المجاورة.
– تشوب المشروع مخاطر إضافية ذات طبيعة جيوسياسية، تتعلّق بالسياسات الخارجية للدول المشاركة، خصوصاً في الفرع الغربي، إذ يمرّ هذا القسم عبر أراضي أذربيجان، وهي في صراع دائم مع أرمينيا من جهة، ومع إيران من جهة أخرى. مثلاً في إقليم ناغورنو كاراباخ، كان من الضروري التخلي عن استخدام جزء من السكك الحديدية الواقعة في جمهورية ناخيتشيفان المتمتعة بالحكم الذاتي في أذربيجان، والتي تربط إيران بأذربيجان.
– عدم اهتمام تركيا ببناء خط سكة حديد رشت – آستارا كمنافس لمشروع ممر زانجيزور، الذي يفتح الطريق أمام أنقرة للوصول إلى أسواق آسيا الوسطى ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ.

أفضل الممكن

وفقا للخبراء، فإنّ القسم الأكثر تطوراً حالياً، هو الفرع الشرقي. هناك تمرّ في هذا الاتجاه ممرات نقل أخرى تربط الصين بتركيا، ويتمتع هذا القسم بقدرة كافية من خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة، التي تربط أوروبا بغرب الصين، حيث الخدمات اللوجستية الراسخة والخبرات المتراكمة لشركات النقل البري من دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. لكن رغم ذلك، يزعم الخبراء الروس أنّ الفرع الشرقي سوف يوفر فرصة فريدة لتنظيم تسليم البضائع من سيبيريا الغربية وجزر الأورال عبر كازاخستان وتركمانستان إلى ميناء بندر عباس في إيران، ويمكن أيضاً استخدام هذا الطريق لتسليم البضائع من المناطق الوسطى في روسيا، وهو ما ظهر بوضوح في عام 2022 خلال النقل التجريبي للحاويات من موسكو إلى الهند عبر كازاخستان وتركمانستان وإيران، حيث أجريت عملية نقل تجريبية لـ50 حاوية بحجم 40 قدما، تحتوي على سيارات من الصين إلى إيران في سبتمبر 2022. أضف إلى ذلك، أنّ ثمة اهتماما متزايدا بهذا الطريق من قبل شركات الشحن الدولية، إذ ارتفع حجم الحركة في الفرع الشرقي في عام 2023 بأكثر من 50%، وتم تسهيل ذلك من خلال وجود البنى التحتية للسكك الحديدية على طول الطريق بأكمله إلى ميناء بندر عباس في إيران. وكذلك القدرة الجيدة للمعابر الحدودية بين تركمانستان وإيران، فضلاً عن أوقات النقل الأقصر مقارنة بالخط الغربي.

كل هذا يدّلل على أنّ المشروع واعد لكن ثمة عقبات كثيرة تعتري تنفيذه كاملاً… وعليه، قد يبقى الأمر معلقاً، وينتظر الإرادة الجدية للدول المشاركة به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى