سياسة

“الحزب” ومحاولة البحث عن إنتصار

كتب خالد حمادة في “اللواء”:

لم تلاقِ وتيرة الإشتباكات المتصاعدة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي التطورات التي دخلت حيّز المفاوضات في غزة بين إسرائيل وحركة حماس بوساطة قطرية مصرية. فبالرغم من تخلي حركة حماس عن التزام إسرائيل بوقف دائم لإطلاق النار أولاً كشرط لأي اتفاق والقبول بأن يتحقق ذلك عبر المفاوضات خلال مرحلة تستمر 6 أسابيع توسّعت دائرة الهجمات العابرة للحدود بين الجنوب اللبناني وشمال إسرائيل وازدادت كثافتها، بالتوازي مع استمرار رفض الوسطاء الغربيين الربط بين الوضع الميداني في كلّ من غزة والجنوب سواء عبر لقاء آموس هوكستين وجان إيف لودريان الأخير في باريس خلال الأسبوع المنصرم، أو خلال لقاءات مساعد مدير الإستخبارات الألمانية «أول ديل» مع نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم.

يثير حضور رجل الإستخبارات الألماني إلى بيروت أكثر من تساؤل في ظلّ التسليم الأوروبي بالإستئثار الأميركي المطلق بملفات المنطقة بعد عملية طوفان الأقصى، سيما أن ألمانيا قد حظرت إي وجود لحزب الله على أراضيها منذ نيسان 2020 وصنفته منظمة إرهابية، بعد توقيف أكثر من 1000 شخص بتهمة الإنتماء للحزب. هذا بالإضافة أن المسؤول الألماني لم يحمل أية مبادرة أو مقترح للمناقشة، مما يرجح فرضية حاجة الحزب لوسيط في محاولة لإحداث إختراق ما في الجدار الأميركي الذي يبدو موصداً بوجهه بعد أن أخفقت الدبلوماسية الفرنسية في تحقيق أي نجاح.

وما يرفع مستوى القلق من تداعيات غير محسوبة على لبنان، هو ما كشفت عنه صحيفة «يديعوت أحرونوت» بالتزامن مع زيارة المسؤول الألماني لبيروت حول اقتراح هوكستين نزع سلاح حزب الله في جنوب لبنان ودفع قوات الرضوان إلى مسافة 10 كلم خلف الحدود، وهو ما يمكن اعتباره دعوة فاضحة لإستدراج الحزب ومن خلفه طهران إلى حرب شاملة. هذا وقد لفتت الصحيفة أنّ الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله سيرفض مقترح المبعوث الأميركي، وأنّ هوكستين سيعتبر أن رفض حزب الله لمقترحه سيضفي الشرعية على هجوم إسرائيلي لإعادة الأمن إلى الشمال.

ينتظر حزب الله إعلان وقف إطلاق النار في غزة لتحويله إلى انتصار يعزوه لحرب المساندة التي أعلنها بالرغم من كل الخسائر الميدانية التي تكبدها والدمار الذي لحق بالقرى والمواطنين، ولينتقل بعدها الى توظيف هذا الإنتصار. من جهة أخرى فإن قبول حركة حماس ببدء محادثات لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لديها في قطاع غزة، خلال 16 يوماً بعد المرحلة الأولى من الإتفاق سيسقط ما يطرحه حزب الله حول إلزامية وقف إطلاق النار في غزة أولاً كشرط لوقف إطلاق النار في الجنوب، وسيؤكد انفصال الميدانين وأن الجنوب قد أضحى خاضعاً لحسابات أخرى بعد إسقاط حماس لنظرية وحدة الساحات.

وفي هذا السياق فانّ دخول غزة في مسار تفاوضي برعاية عربية وأميركية في ظل استمرار الإشتباكات في جنوب لبنان سيدفع بحزب الله وطهران للبحث عن فرصة جديدة لتحقيق النصر ويصبح استمرار الاشتباكات وتصعيدها خياراً لا بد منه وهو ما سيضع لبنان أمام استحقاقات خطيرة وغير مسبوقة.

وفيما تطبق الإدارة الأميركية على كل المقاربات الدبلوماسية الغربية المتعلقة بإستقرار شمالي إسرائيل تستمر طهران بالدفع بحزب الله للمحافظة على وتيرة اشتباكات قابلة للسيطرة في محاولة لإختبار نوايا واشنطن وإحراجها للتوصل لتسوية مشابهة لغزة تلعب فيها طهران دور الوسيط. وهذا يعني إبقاء الحدود الجنوبية للبنان رهن لاختبار دائم للقوة بين طهران وواشنطن بما يتجاوز الأهداف الميدانية اليومية المعلنة وغير المعلنة من قبل حزب الله وإسرائيل، وبما يفضي بأفضل الأحوال الى استمرار الوضع على ما هو عليه والإستعداد للإنتقال الى مرحلة أكثر عنفاً يفرضها تقدير الموقف الأميركي لأمن إسرائيل وتحتفظ واشنطن بتوقيت إطلاقها.

زر الذهاب إلى الأعلى