“سبت مجدل شمس”… ما قبله ليس كما بعده؟
جاء في “الراي”:
كانت المنطقة برمّتها أمس، في «فوهة حربٍ كبرى» لا أحد يريدها ولكن الجميع قد يَجدون أنفسهم في عيْنها بسوء تقديرٍ أو حسابٍ خاطئ، في سياق ردٍّ محسومٍ، دلّتْ كل المؤشرات على أنه ينتظر فقط «البرْمجة الزمنية»، على ضربة مرتفعات الجولان السورية المحتلة، التي اتّهمتْ تل أبيب «حزب الله» بالتسبّب بها ولاقتْها واشنطن في «توجيه الاصبع» بالاتجاه نفسه وإن مع حضٍّ لبيروت على كبْح جماح الحزب ولإسرائيل على عدم تحويل «حقها في الدفاع عن مواطنيها» شرارةً لصراعٍ ينقلب «جاذبةَ صواعق» في إقليمِ الصفائح الساخنة والبراكين المشتعلة و… النائمة.
وليس مبالغةً القول إن المنطقة وعواصم القرار في العالم لم «يغمض لها جفن» في أعقاب سقوط صاروخ على ملعب لكرة القدم في بلدة مجدل الشمس الدرزية ما أدى إلى مقتل 12 شخصاً غالبيتهم من الأطفال، تراوح أعمارهم بين 10 و20 عاماً وإصابة أكثر من 20 آخَرين، وتوعُّد إسرائيل بأن «الهجوم الوحشيّ لن يمرّ من دون ردّ»، وبأن «حزب الله» سيدفع ثمناً باهظاً لم يسبق أن دفعه من قبل، رغم نفي الحزب السريع لِما وصفه بأنه«ادعاءات كاذبة»حول مسؤوليته عن الاستهداف.
و«على مدار الساعة» اشتغلتْ «الهواتفُ الحمر»، مع كل من إسرائيل وإيران ولبنان، من دول كبرى غربية وبلدان عربية كما الأمم المتحدة، في محاولةٍ للمواءمةِ بين قرارٍ إسرائيلي متخَّذ بضربةٍ «خارج المألوف» تتناسب مع حصيلة مأساة مجدل شمس التي اعتبرتْها تل أبيب تَجاوُزاً لـ «الأحمر»، وبين أن لا يكون الردُّ «خارج النصّ» الذي يَكتب منذ 8 أكتوبر «يومياتِ النار» على جبهة الجنوب ضمن قواعد اشتباكٍ تتمدّد تباعاً من دون أن تتجاوزَ ضوابط غير معلَنة يلتزم بها الطرفان غير المهتمّيْن بالانزلاقِ الى حربِ «يا قاتل يا مقتول».
وبدت بيروت، «المُطفأة الأنوار» منذ سبت مجدل شمس «على أعصابها» وهي تحصي التهديدات الإسرائيلية، والتحذيرات الدولية من خطورة التصعيد وإمكان تحوُّله حرباً شاملة، والمطالبات العاجلة من سفاراتٍ أجنبية لرعاياها بتجنب السفر إلى إسرائيل ولبنان (كما فرنسا) أو مغادرتهما (النرويج) أو البقاء على مسؤوليتهم (الدنمارك)، في وقت كانت إسرائيل مع العودة «الطارئة» لبنيامين نتنياهو من واشنطن تشهد اجتماعاتٍ متوالية على وقع الإعلان أن وزير الدفاع ورئيس الأركان «صادقا على خطط عملياتية على جبهة لبنان»، ودعوة لجنة الأمن القومي في الكنيست لفتح الملاجئ في الشمال.
ورغم تقارير نقلتْ عن مصادر دبلوماسية من واشنطن وبيروت، «ان الضربة الإسرائيلية على لبنان محسومة والعمل جار على أن تكون محدودة في الحجم والمكان وتَجَنُّب المدن الكبيرة حيث الاكتظاظ السكاني والمدنيين بما فيها بيروت بمعنى أن لا تجرّ «حزب الله» إلى رد كبير يُفرض عليه»، فإنّ توقّعات أخرى سادتْ بأن «الردّ الإسرائيلي قد يكون أكبر من المتوقّع»في إطار إعلانِ رئيس الأركان هيرتسي هاليفي من مجدل شمس «دخول المرحلة التالية من الحرب شمالاً»وأن قواته «رفعت جاهزيتها إلى المرحلة التالية من القتال على هذه الجبهة».
وحملتْ الاتصالات المتعددة الجبهة عبر «الخط الساخن» مساعي لتحديد إطارٍ لـ «ردٍّ مدروس» لا يكون بمثابة «الدوس على لغمٍ» يَكْمن للمنطقة بأسْرها، وسط معلومات عن أن «حزب الله» الذي يضع «الإصبع على الزناد» والذي بدا في جو ردٍّ متوقَّع في أي ساعة يوم أمس أبلغ «من يعنيهم الأمر» أن أي ضربة خارج حدود أو منطقة الاشتباك فإن الردّ عليها سيكون فورياً، وذلك بالتوازي مع رسالة إيرانية إلى الولايات المتحدة بأن «أيّ عدوانٍ إسرائيلي على لبنان سيُعتبر حرباً أميركية على إيران»وأن الأخير «لن يُترك لوحده».
وفيما أشارتْ مصادر إلى تواصل، عبر وسطاء، جَرى بين طهران وواشنطن التي أكدت أنها ليست لديها نية لتصعيد الأوضاع إلى حرب واسعة في المنطقة، كشف مسؤول أوروبي أن دولاً عدة «تسعى لدى إسرائيل لعدم توسيع الرد خارج نطاق حزب الله خصوصاً أن الحكومة اللبنانية شجبتْ»، متوقّعاً «تنفيذ تل أبيب قريباً ضربات مركّزة ومفصلية ضد قيادات ومقار للحزب أو في بيئته وربما تستهدف أيضاً قيادات أو مصالح إيرانية»، ومؤكداً أن «التواصلُ مستمرّ لعدم الانزلاق للأسوأ، لكن نتنياهو الذي نال غطاءً أميركياً جديداً قد يغامر بتجاوُز خطوط حمر».
وفي حين كان يتمّ إعدادُ مَسرح الردّ وترسيم ما أمكن من حدودٍ له، وسط طغيانِ احتمالاتِ عدم وقوع المنطقة في هاوية الحرب الكبرى، فإن أحداً لم يكن بوسْعه الجزمَ بالخطوةِ التاليةِ بعد «ضربةِ الانتقام» من قِبل تل أبيب وهل يمكن أن تَستخدم حادثةَ مجدل شمس «الذريعة» التي تنتظرها للذهاب «لأيام قتالية» أو «حرب ذكية» تتركّز على «حزب الله» وبنيته التحتية في كل لبنان في محاولةٍ لاستدراج ترتيبات أمنية لجبهة الشمال وكسْر «الربط المُحْكم»بينها وبين غزة، وهو ما يعدّ له الحزب «اللازم» وسيقابله بردٍّ متناسب.
وشهدتْ مرحلةُ «ما قبل الردّ» سباقاً محموماً بين «دبلوماسية الهاتف والبيانات»وبين إجراءاتٍ وُضعت في إطار التحسب لِما هو آتٍ، في موازاة تسريباتٍ في تل أبيب عن«حدود الضربة»، وذلك وفق الآتي:
– إعلان شركة طيران الشرق الأوسط – الخطوط الجوية اللبنانية تأخير عودة بعض رحلاتها من وجهات أوروبية وخليجية إلى بيروت من مساء أمس إلى صباح اليوم، من دون ذكر الأسباب.
مع العلم أن هذا الإجراء جرى ربْطه بالردّ المتوقّع من إسرائيل والاحتراز منه.
وقد أكد رئيس مجلس إدارة«الميدل ايست» محمد الحوت، «أن تأخير الرحلات سببه أننا لا نفضل تواجد عدد كبير من الطائرات في المطار بالوقت نفسه»، مضيفاً أن «هذه الخطوة تأتي من باب توزيع المخاطر التأمينية»، متداركاً «لا معلومات تفيد بضربة تستهدف المطار، ولا خوف من ذلك».
– إعلان الجيش الإسرائيلي أنه أعدّ سيناريوهات مُحتملة للهجوم على لبنان ووضعها أمام القيادة السياسية، في موازاة ما نقلتْه القناة 12 الإسرائيلية عن مصادر من أن «ثمة تقديرات بأن إسرائيل ستردّ بقوة على «حزب الله» لكن على نحو لا يقود إلى حرب شاملة»، وما أوردتْه إذاعة الجيش الإسرائيلي من أن تل أبيب«غير معنية بحرب شاملة مع «حزب الله» وإنما بتوجيه ضربة موجعة له فقط».
– دخول طهران العلني على خط أجواء التصعيد ومحاولةِ رسم «معادلة ردع» باسم محور الممانعة«موحّداً»، وذلك بتأكيد الناطق باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أن بلاده «تحذّر إسرائيل من أي مغامرات عسكرية جديدة في لبنان ما قد يؤدي إلى تداعيات غير متوقَّعة»، معتبراً أن أي خطوة تنمّ عن «جهل إسرائيلي» قد تؤدي إلى توسيع عدم الاستقرار وعدم الأمن والحرب في المنطقة و«إسرائيل ستتحمل مسؤولية التداعيات غير المتوقَّعة وردود الفعل على تصرف أحمق كهذا».
– إعلان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنه لا يريد رؤية تصعيد في الصراع، كاشفاً «ان واشنطن تجري محادثات مع إسرائيل حول هجوم الجولان»، ومضيفاً «كل المؤشرات تدلّ على أن الصاروخ كان بالفعل من حزب الله، وواشنطن تؤيد حق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها».
وسبق ذلك تجديد البيت الأبيض دعمه لإسرائيل «في أعقاب هجوم مجدل شمس»، وأكد أن «دعم واشنطن لأمن إسرائيل راسخ ولا يتزعزع، ضد كل الجماعات المدعومة من إيران، بما في ذلك حزب الله اللبناني»، مشدداً على أن «هذا الأمر مسألة ذات أولوية مطلقة».
بالتوازي نُقل عن مصدرٍ «أن مسؤولي الاستخبارات الأميركية ليس لديهم شك في أن حزب الله نفّذ الهجوم على مرتفعات الجولان، لكن لم يكن من الواضح إذا كانت الجماعة الإرهابية تقصد الهدف أم أخطأت».
– تحذير وزارة الخارجية المصرية من «جبهة حرب جديدة» بعد ضربة مجدل شمس، مشددة على «أهمية دعم لبنان وتجنيبه ويلات الحرب».
– إدانة بريطانيا الهجوم وإعرابها عن «القلق من خطر حدوث المزيد من التصعيد في المنطقة»، بالتوازي مع تنديد فرنسا بالهجوم مع دعوةٍ لتجنب «تصعيد عسكري جديد».
– حضّ المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت ورئيس بعثة «اليونيفيل» وقائدها العام الجنرال أرولدو لاثارو «على التحلي بأقصى درجات ضبط النفس على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية»، معلنيْن في بيان مشترك «نستنكر مقتل المدنيين من أطفال صغار ومراهقين في مجدل شمس. يجب حماية المدنيين في جميع الأوقات».
وكانت إسرائيل كثفت من تهديداتها للحزب على وقع كشفها أن الصاروخ الذي سقط في مجدل شمس «كان من نوع فلق 1 برأس حربيّ يزن 53 كيلوغراماً، وأنه أطلق من شبعا».
وفيما توعّد نتنياهو في بيان أصدره مكتبه بأنّ «إسرائيل لن تدع هذا الهجوم الوحشيّ يمرّ من دون ردّ، وبأن حزب الله سيدفع ثمناً باهظاً لم يسبق أن دفعه من قبل»، أكد وزير الدفاع يوآف غالانت من مجدل شمس أنه أمر بالرد و«حزب الله هو المسؤول عن هذه الضربة وسيدفع الثمن».
وقبيل اجتماع الحكومة المصغّرة مساء أمس، أشارت وسائل إعلام إلى أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير سيطالب بهجوم واسع على لبنان بعد اعتباره «ان القبول بتسوية مع «حزب الله» سيؤدي لتعزيز قوته».
وفي موازاة تقارير غربية عن «أن حزب الله أخلى بعض مقراته في شرق وجنوب لبنان تحسباً لرد إسرائيلي»، وإعلان مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان «ان المجموعات الموالية لإيران وحزب الله من جنسيّات سوريّة وغير سوريّة أخلت نقاطها جنوبي دمشق تحسباً لضربات إسرائيليّة»، برز تأكيد وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب «ان أي حرب على لبنان ستتحول حرباً إقليمية وستكون مدمرة للجميع وليس فقط للبنان كما يعتقد البعض»، مستبعداً فرضية أن يكون حزب الله قد نفذ الهجوم على مجدل شمس كونه منذ بدء النزاع في الجنوب لم يستهدف مواقع مدنية بل عسكرية فقط، ومتوقعاً أن تكون الضربة من تنفيذ منظمات أخرى أو خطأ إسرائيلي أو خطأ من حزب الله، وداعياً إلى إجراء تحقيق دولي او عقد اجتماع للجنة الثلاثية عبر اليونيفيل لمعرفة حقيقة الأمر.
وفيما كشف أن الولايات المتحدة طلبت من لبنان كبح جماح «حزب الله»، استوقف أوساطاً سياسية البيان الذي صدر عن الحكومة اللبنانية ليل السبت وأكدت فيه «إدانتها كل أعمال العنف والاعتداءات ضد جميع المدنيين ودعوتها الى الوقف الفوري للأعمال العدائية على كل الجبهات»، مشددة على أنّ «استهداف المدنيين يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ويتعارض مع مبادئ الإنسانية».
وتم التعاطي مع هذا البيان على أنه يعكس حراجة اللحظة في ضوء ما تلقته الحكومة من اتصالاتٍ وأن لبنان يقف على شفا حرب واسعة حاولت النأي بالبلاد عنها من دون «رفع الغطاء» عن «حزب الله»، وسط معلومات عن أن هواتف المسؤولين اللبنانيين لم تهدأ وكان «على الجانب الآخر» في أحدها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي تواصل مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط محذّراً من خطورة الوضع.
ولم يكن عابراً الموقف الذي أصدره جنبلاط بإزاء «الواقعة المصاب التي طالت بلدة مجدل شمس»، حيث وصف الادعاء الإسرائيلي بأن المقاومة أطلقت الصاروخ بأنه «كذب»، مؤكداً «أنّ استهداف المدنيين أمرٌ مرفوض ومدان، أكان في فلسطين المحتلة أو الجولان المحتل، أو في جنوب لبنان، وتاريخ وحاضر العدو الإسرائيلي مليء بالمجازر التي ارتكبها ويرتكبها ضد المدنيين دون هوادة».
وحذر «الجميع في لبنان وفي فلسطين والجولان من أي انزلاق أو تحريضِ في سياق مشروع العدو التدميري، إذ يبقى المطلوب عدم توسع الحرب ووقف فوري للعدوان ولإطلاق النار».
ولفت إلى أن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين «قال إن إسرائيل ستقوم بعملية واسعة، واذكره بأنه وسيط وليس ناقلاً لتهديدات إسرائيل».
وأضاف «في ضوء بيان حزب الله الذي ينفي علاقة المقاومة الإسلامية بما حصل في مجدل شمس، فإننا نشدد التحذير والتنبيه ممّا يعمل عليه العدو الإسرائيلي منذ زمنٍ بعيد لإشعال الفتن وتفتيت المنطقة واستهداف مكوّناتها، وقد أسقطنا هذا المشروع في السابق، وإذ يطلّ برأسه من جديد فنحن له بالمرصاد إلى جانب المقاومة وكل المقاومين الذين يواجهون الإجرام والاحتلال الإسرائيلي».
وشهد ليل السبت – الأحد أيضاً تلقّي رئيس مجلس النواب نبيه بري اتّصالاً من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان أكد خلاله «أنّ لبنان، ورغم تعرُّض قراه الجنوبية لا سيما الحدودية منذ ما يزيد على 9 أشهر لعدوان إسرائيلي متواصل، ملتزم ومقاومته بالقرار 1701 وبقواعد الاشتباك بعدم استهداف المدنيين، ونفي المقاومة لما جرى في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل يؤكد بشكل قاطع هذا الالتزام وعدم مسؤوليتها ومسؤولية لبنان عن ما حصل».
ولم يمرّ ليل السبت من دون غارات إسرائيلية على مناطق في قضاء صور وعلى طاريا في بعلبك البقاعية، في حين نفّذ «حزب الله» أمس، عدداً من العمليات ضد مواقع وتجمعات عسكرية إسرائيلية.