إسرائيل تضرب أميركا في طهران والضاحية
كتب منير الربيع في “المدن”:
تخطّت إسرائيل كل الخطوط. رفعت سقف المواجهة إلى منتهاه. العمليات التي جرى تنفيذها في طهران والضاحية الجنوبية لبيروت، تريد تل أبيب من خلالها أن تقول إنها قادرة على الوصول إلى المكان الذي تريده. وتريد إثبات أنها الأكثر قوة في الشرق الأوسط. طبعاً لا مقومات لهذه القوة من دون الدعم الأميركي. وهنا تكمن القصة وتتكاثر الأسئلة، هل حصلت إسرائيل على ضوء أخضر أميركي سبق كل الاتصالات ومحاولات واشنطن في تخفيف ردّ فعل إيران وحلفائها؟ أم أنه جرى إخطار الأميركيين بالعملية قبل حصولها بوقت وجيز؟ هنا تعود مشكلة “تاريخية” بين العرب والغرب، تتعلّق بالثقة. في الوقت الذي كانت تتركز فيه المساعي الأميركية لعدم استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي وقت كانت قنوات التواصل الإيرانية الأميركية مفتوحة لمنع التصعيد.. حصل الاستهدافان في قلب الضاحية، وفي قلب طهران. وما يزيد من نسبة الشك هو استهداف مقر لكتائب حزب الله العراقية من قبل الأميركيين.
ثقة بغير محلها
تتضارب وجهات النظر العربية تجاه الغرب وأميركا تحديداً، بين من يضعهما في خانة “الوسيط” وبين من يبقي الحذر قائماً. وللعرب تجارب كثيرة مخيبة منذ ما يعتبرونه “الانقلاب البريطاني الفرنسي” على المملكة العربية المتحدة لصالح “سايكس بيكو”.. إلى تجارب فلسطينية مريرة مع أميركا، بالتحديد منذ اتفاق أوسلو إلى ما بعده، وصولاً إلى الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبعدم الدفع باتجاه حل الدولتين وانتهاء بتكريس الجولان كجزء خاضع للسيادة الإسرائيلية. وما بينها يمكن العودة إلى سياسة الاستيطان التي مورست بعد اتفاق أوسلو، وكشف بعض خباياها المسؤول الفلسطيني ياسر عبد ربه، عندما أشار إلى أن الاتفاق لم يكن كذلك، وأنهم وثقوا بالأميركيين ولم تكن الثقة في مكانها.
شريط الأحداث هذا استحضر بقوة طوال الساعات الماضية، في معرض تقييم حقيقة الموقف الأميركي، وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد نجح في الحصول على دعم الإدارة الأميركية الكامل لمواصلة عملياته وتوسيع نطاق الاغتيالات والاستهدافات، أم أنه يقدم على هذه الخطوات مستغلاً الوضع الانتخابي وضعف الإدارة الأميركية التي يسعى إلى فرض برنامجه وما يريده عليها، وإن اقتضى ذلك توسيع الحرب في المنطقة.
ما تريده إسرائيل
ما قامت به إسرائيل هو اختيارها لتكريس معادلتها إزاء “وحدة الساحات”. وقد فعلت ذلك خلال ساعات، باستهداف الضاحية الجنوبية، ومحافظة بابل في العراق، وطهران، علماً ان ذلك لا ينفصل عن استهداف الحديدة قبل حوالى أسبوعين. في مقابل ذلك، يكرر الأميركيون تصريحاتهم حول مساعيهم لوقف إطلاق النار، بينما معارضوهم يعتبرون أنهم يمنحون الغطاء لإسرائيل، ولو أرادت أميركا وقف الحرب لنجحت. خصوصاً أن الدعم مستمر لإسرائيل، سياسياً، عسكرياً، أمنياً، استخبارياً، تقنياً ولوجستياً.
وهي قواعد سعى الإسرائيليون إلى تكريسها، وستفرض آليات جديدة تتحكم باستراتيجية محور المقاومة الذي أصبح ملزماً بردّ عنيف وموسع. خصوصاً أن الردّ سيكون منسقاً من مختلف هذه الساحات وليس محصوراً بساحة واحدة. وهو ما سيفرض تدخلاً من قبل الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأجنبية للتصدي للضربات التي ستتلقاها إسرائيل.
هنا ستكون المنطقة أمام صورتين: إما إعادة تكرار مشهد الردّ الإيراني على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق وبعدها العودة إلى قواعد الإشتباك. أو أن الردّ سيكون مختلفاً، وبالتالي، تتدحرج التطورات العسكرية إلى حرب أوسع.
الاستدراج إلى الحرب؟
مما لا شك فيه أن نتنياهو يحاول إحراج الجميع، واستدراجهم إلى الحرب، وهو يسعى إلى استدراج الأميركيين أكثر إلى المواجهة، بدلاً من الحوار والتفاوض والتفاهم مع إيران. في أحد الجوانب، يبدو الإسرائيليون وكأنهم يحاولون الضغط أكثر على إدارة بايدن، لا سيما من خلال استهداف فؤاد شكر، وهو المصنّف من قبل الولايات المتحدة كإرهابي عالمي، وكمتورط في تفجير المارينز عام 1983. وبذلك يقول الإسرائيليون للإدارة الأميركية إنهم يقاتلون عنهم أو يغتالون المطلوبين أميركياً، كنوع من التماهي بين هذه الوقائع وخطاب نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي وادعائه أن إسرائيل تقاتل نيابة عن أميركا والغرب.
وما يؤشر إلى زيادة الضغط الإسرائيلي على الإدارة الاميركية هو تجاوز الإسرائيليين لكل الحدود التي حاولت واشنطن أن تضعها، لا سيما أن الأميركيين عملوا على نقل الكثير من الرسائل لتجنيب استهداف الضاحية (وبيروت) أو المدن الكبرى. هي محاولة إسرائيلية لتكبيل أي رئيس أميركي مقبل في السياسة الشرق أوسطية، واستقبال دموي أمني عسكري للرئيس الإيراني الجديد. وكأن إسرائيل تسعى إلى تكريس واقع المنطقة على صورتها، وهو ما سيكون مرفوضاً في إطار الصراع المفتوح والمستمر لفترة طويلة.