سياسة

فشل المفاوضات يضع المنطقة على شفا حرب واسعة

كتب نزار عبد القادر في “اللواء”:

تعيش منطقة الشرق الاوسط حالة من التوتر والشك وعدم اليقين نتيجة تأخر الرد العسكري الذي وعدت به كل من ايران وحزب الله، رداً على اغتيال امين عام حركة حماس في طهران والقائد العسكري فؤاد شكر في حزب الله، بعد استهدافه في غارة جوية في قلب الضاحية الجنوبية. لقد اعتبرت ايران مقتل اسماعيل هنية بمثابة اعتداء مباشر على سيادتها، ويستوجب الرد العسكري المباشر وبقوة تجعل اسرائيل تندم على فعلتها. كما صرح امين عام حزب الله تكراراً بجهوزية حزب الله للثأر لمقتل شكر، دون ربط موعد الهجوم بقرار ايران للثأر لمقتل هنية، او لاستعادة الكرامة الوطنية التي انتهكتها اسرائيل.

نشطت الدبلوماسية الاميركية والاوروبية منذ حصول عملية اغتيال هنية باتجاه ايران لاقناعها بعدم الرد على الانتهاك الاسرائيلي لسيادتها وكرامتها، ولكن دون جدوى. حيث ردت ايران بأنها لا تطلب «الاذن» من احد للرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي اسماعيل هنية اثناء وجوده في زيارة رسمية في طهران. وحثت فرنسا والمانيا وبريطانيا يوم الاثنين الماضي ايران وحلفاءها على الاحجام عن تنفيذ تهديداتهم ضد اسرائيل، وذلك منعاً لتصعيد التوتر، وبالتالي الدفع نحو الانزلاق نحو حرب اقليمية واسعة.

ودعت الدولة الثلاث في بيانها الى وقف القتال في غزة وبقية الجبهات، وكذلك الى افراج حماس عن كل الرهائن المحتجزين لديها مقابل فك الحصار ووقف المجازر وتأمين وصول جميع انواع المساعدات لسكان غزة وتوزيعها بالسرعة اللازمة. لكن كيف يمكن لرؤساء الدول الثلاث ومعهم الرئاسة الاميركية ان يتوقعوا استجابة ايران لدعواتهم بعدم الرد على العدوان الاسرائيلي، في الوقت الذي يؤكدون فيه وقوفهم مع اسرائيل في مواجهة اي هجوم تشنه ايران. واظهر الناطق الرسمي باسم مجلس الامن القومي الاميركي ووزير الدفاع لويد اوستن بأن الولايات المتحدة ستكون جاهزة لمواجهة مجموعة من الهجمات الكبيرة ضد اسرائيل، مرجحين ان يتم «الهجوم هذا الاسبوع».

يبدو من خلال الحشود العسكرية المستمرة من قبل الولايات المتحدة بأنها مستمرة في الاعداد لمواجهة الخيار الاسوأ في الشرق الاوسط، والذي يعني امكانية الانزلاق الى حرب واسعة بين ايران واذرعتها وعلى رأسها حزب الله واسرائيل، ويهيىء الى تدخل عسكري اميركي مباشر في الحرب، وبالتالي شن هجمات مباشرة ضد ايران وحلفائها. وستترتب على هذه الحرب تداعيات دراماتيكية، خصوصاً اذا قامت اسرائيل بشن هجمات مدمرة ضد المنشآت النووية الايرانية، وقد يحقق نتنياهو امنيته التي يسعى اليها منذ عام 2010، باقناع واشنطن للمشاركة في هجوم واسع لتدمير البرنامج النووي الايراني.

من المؤكد بأن ادارة بايدن لا ترغب كلياً في الانجرار الى مثل هكذا خيار يتوخاه نتنياهو، ويعتبره انه الفرصة السانحة، للتخلص من التهديد المصيري الذي يشكله امتلاك ايران للقنبلة النووية. ومن المتوقع ان تستمر الدبلوماسية الاميركية في بذل اقصى جهودها لتأخير الرد الايراني او لتخفيفه، املاً باقناع اسرائيل بعدم توسيع الحرب سواء ضد ايران او ضد حزب الله في لبنان. وستتحرك الدبلوماسية الاميركية خلال هذه الفترة على مسارين: الاول، باجراء اتصالات سرية وبمعاونة بعض الحلفاء الاقليميين، لاقناع الايرانيين بالتعقل واختيار ان يكون ردهم هذه المرة على غرار الرد الذي نفذوه في نيسان الماضي، وبما يسهّل احتواءه منعاً لحدوث اضرار كبيرة داخل اسرائيل او سقوط ضحايا مدنيين. والثاني بذل الجهود اللازمة لتأخير الرد الايراني الى ما بعد انعقاد المباحثات لوقف اطلاق النار في غزة، والذي سينعقد في القاهرة، وبمشاركة حماس واسرائيل وبواسطة اميركية ومصرية وقطرية. لكن يبدو بأنه ما زالت تواجه انعقاد اجتماع القاهرة بعض الحواجز والتحفظات التي تبديها حماس، حول مسار المحادثات، بالاضافة الى نوايا وخطط نتنياهو المبيتة لتعطيله. ولقد ظهر ذلك تكرارا من خلال رفضه لاعطاد التفويض اللازم للوفد الاسرائيلي الى اجتماع القاهرة المرتقب.

تعتبر الدبلوماسية الاميركية ان خطة الرئيس بايدن التي قدمها، بعد حصوله على تأييد قمة G7 وتأييد مجلس الامن ما زالت صالحة، وهذا ما يدفعني الى العمل كل يوم مع فريقي الدبلوماسي الى تنفيذها، وتأمين وقف لاطلاق النار في غزة، في مقابل اخلاء 115 رهينة من قبل حماس. وتتوزع الجهود الاميركية المكثفة لمنع الانزلاق نحو حرب ما بين الاتصالات مع ايران لمنع او «دوزنة» ردها على اسرائيل، والاتصالات مع القيادة الاسرائيلية للموافقة على ترتيبات وقف النار مقابل اخلاء الرهائن.

هناك خشية عبرت عنها محطة «سي.ان.ان» من ان تؤدي شروط ابلغها السنوار الى رعاة المحادثات بأنه يصر على تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه في المباحثات السابقة التي جرت في مطلع تموز الماضي. في نفس الوقت تبدي المحطة حذراً تجاه نوايا نتنياهو، والتي ما زالت غامضة، وتهدد بنسف المؤتمر، خصوصاً بعد قوله في اجتماع مؤخراً بأنه لا يثق بفريقه الى المفاوضات.

اذا انعقد مؤتمر القاهرة في الخامس عشر من الشهر الجاري فإنه سيواجه اخطار نسفه من خلال مطالب اساسية يتمسك بها الطرفان الاسرائيلي والفلسطيني: من الجانب الاسرائيلي فهناك اصرار على حل مسألة ممر فيلادلفيا ورفح، ومنع حماس من العودة اليه، خوفاً من استغلاله في عمليات تهريب الاسلحة الى القطاع.

ومن جانب حماس الاصرار على تخلية سبيل بعض الاسرى والمساجين الفلسطينيين السياسيين وعلى رأسهم مروان البرغوثي.
تترتب على فشل اجتماع القاهرة مخاطر توقف الجهود لتحقيق وقف لاطلاق النار، والذي سيفتح الباب لوقف الدفع نحو حرب واسعة، وذلك في ظل تراجع جهود الدبلوماسية الاميركية بسبب اقتراب موعد الانتخابات الاميركية في تشرين الثاني والوهن الذي اصاب ارادة الوسطاء.

زر الذهاب إلى الأعلى