سياسة

لبنان… جحيم مفتوح بلا أفق

جاء في “الراي”:

يَطْوي «طوفان الأقصى» غداً، عامه الأول بعدما فاضَ دماً ودماراً على جبهة لبنان التي باتت مرشّحةً لتكون «غزة ثانية»، ويُنْذِر بأن يغمر خطَّ التماس الإسرائيلي – الإيراني الذي يستعدّ لـ «جولةٍ» هي الأقسى من مواجهة «وجهاً لوجه»، هو الذي تطايرتْ حِمَمُه على امتداد الأشهر الـ 12 الماضية في اتجاه الضفة الغربية المحتلة واليمن وسورية والعراق.

وليس عابراً أن يتحوّل لبنان، الذي انضمّ باكراً إلى «الطوفان» عبر معركة الإسناد والإشغال التي فَتَحها «حزب الله» في 8 تشرين الاول، ملعبَ النار الأكثر التهاباً في «حرب الجبهات السبع» التي أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يخوضها وجاهر بأنه يريدها مَدخلاً لقلْب الطاولة في المنطقة وتبديل الموازين في المنطقة وصولاً إلى «شرق أوسط جديد».

فمنذ نحو أسبوعين أصبحتْ «بلاد الأرز» في عيْنِ هذا الهدف الـ «ماكرو» لإسرائيل عبر «حرب لبنان الثالثة» التي تتأجّج في شكلٍ تَصاعُدي، من اجتياحٍ جوي ساحقٍ يَقبض على الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت ولم يوفّر العاصمةَ ولا الشوف وكسروان وجبيل والشمال، إلى موجةٍ هي الأعتى من الاغتيالات لقادة «حزب الله» وعلى رأسهم أمينه العام السيد حسن نصرالله ثم خليفته المحتمل هاشم صفي الدين، الذي يُرجح أنه سقط في غارةٍ زلزالية من 72 طناً من المتفجرات (في الضاحية) ليل الخميس – الجمعة، فطلائع الغزو البري للمنطقة القريبة من الحدود في الجنوب، مروراً بمقدّمات حصار عسكري شامل يُخشى أن يتّخذ أشكالاً أخرى كلما اشتدّ عصْفُ حرب «وبعدي الطوفان».

وفي وقت كان الميدانُ يشهد فصولاً متواصلةً من معارك «تَلاحُمية» بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» خصوصاً على محوريْ كفركلا – العديسة ويارون – مارون الراس، بالتوازي مع مضيّ الطيران الحربي في تحويل الضاحية الجنوبية كتلةَ نار وحُطام بعشرات الغارات اليومية، وتوسيع الاستهدافات «الجِراحية» نحو قادة من «حماس» في مخيم البداوي شمالاً والبقاع اللبناني شرقاً، تعمّقتْ المَخاوفُ من جولاتٍ أكثر تفلُّتاً من كل الضوابط مع إعلان تل أبيب أنها مازالت «تخبئ مفاجآتٍ» واستنساخها جرائمَ الحرب في غزة بمختلف فظائعها وليس أقلّها استهداف مستشفيات وأطقم طبية وحرمان الجرحى والناجين المحتملين من غاراتها فرصةَ الإنقاذ عبر إحاطة «مسرح الجريمة» بأحزمة نارٍ.

وفي حين بدت الوقائعُ العسكرية أكبر من القدرة على إحصاء انفلاشها الدراماتيكي، أعربتْ أوساطٌ واسعة الاطلاع عن مَخاوف فعلية من أن يكون لبنان زُجّ «حتى آخِر رَمَقٍ» في فوهة حرب «يا قاتل يا مقتول»، طرفاها إسرائيل وإيران، و«بلاد الأرز» أبرز ساحاتها، وهو ما عبّر عنه:

– اقتناعٌ يترجمه نتنياهو تباعاً بأن «حرب لبنان الثالثة» ليست مثل حرب تموز 2006، وأنه يريدها باباً للإجهاز على الآلة العسكرية لـ «حزب الله»، وسط اعتقادٍ بأن اغتيالَ نصرالله والقادة الآخَرين، سيترك ارتداداتٍ لا تُعوَّض على صعيد بنية الحزب ومكانته الداخلية والإقليمية، وبأن إسرائيل لم تَعُد وفق بنك أهدافها المضمَر تكتفي بأن يتمّ تطبيق القرار 1701 كإطارٍ لـ «اليوم التالي» لبنانياً وأن «عيْنها» صارت على القرار 1559 الناظِم لنزع سلاح «حزب الله»، وهو ما يفسّر أن مقترح وقف النار الدولي – العربي الذي تم استيلاده على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة «تجاوزتْه» التطورات على الأرض وصولاً لتقارير عن أن واشنطن أبلغت لبنان أنه لم يَعُد على الطاولة.

– تَعَمُّد إيران، من مرشدها الأعلى السيد علي خامنئي ومن على منبر تأبين نصرالله في طهران وبمواقف أطْلقها «بالمرقّط» (وبيده البندقية)، إلى وزير خارجيتها عباس عراقجي ومن على منصة السرايا الحكومية، إعلان ما يشبه «الأمر لنا» في لبنان وفي مآلات الحرب وآليات الخروج منها، في ما بدا محاولةً لمعاودة تنظيم «خطوط الدفاع» عن طهران بوجه الآتي في ضوء بدء العدّ العكسي لردٍّ «جدي ومهمّ وقاس» من إسرائيل عليها بعد هجومها الصاروخي انتقاماً لاغتيال الأمين العام لـ «حزب الله» ومعه نائب قائد الحرس الثوري في لبنان وإسماعيل هنية.

واستوقف الأوساطَ المطلعة، ما أعلنه كل من خامنئي وعراقجي والذي قوبل بدهشةٍ في بيروت وبمحاولة لبنان الرسمي التخفيف من وطأة الأبعاد النافرة لتَعَمُّد المرشد الأعلى وصْف دفاع «حزب الله» عن غزة ونصرته للمسجد الأقصى بأنهما «خدمة مصيرية للمنطقة كلها ولكل الإنسانية»، واعتباره «أن الدفاع المستميت للشعب اللبناني عن الشعب الفلسطيني هو شرعي وقانوني، ولا يحق لأي أحد أن ينتقد دفاعهم الإسنادي عن غزة»، و«الأعداء لن يحققوا النصر أبداً على حماس وحزب الله»، وصولاً لقفز وزير الخارجية الإيراني فوق كل المحاولات المستميتة من بيروت لوقف الحرب على قاعدة إعلان الموافقة على وقف النار وفصل جبهة لبنان عن غزة تطبيق الـ 1701، بإعلانه أن بلاده مع وقف النار «بشرط أن يوافق الحزب والتزامن مع غزة».

وعلى وقع تقارير في بيروت، عن أن لقاءً عاصفاً جمع بين عراقجي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي بات يصرّ على فصل مساري وقف النار، وأن ضيفه الإيراني رفض «على قاعدة ان المقاومة جبهة واحدة ولا مساس بوحدة الساحات» وان لهجة طهران كانت اقرب الى التحذير والتهديد، أعلن المكتب الإعلامي لميقاتي «إن ما يتم تناقله هو مجرد سيناريوهات واستنتاجات لا تمت إلى الحقيقة. فالاجتماع لم يكن عاصفاً، كما يزعم البعض، بل على العكس، كان ضمن الأصول الدبلوماسية المتبعة».

وجاءت هذه التطورات في وقت بقي مصير صفي الدين، ابن خالة نصرالله، والذي كان أبرز المرشحين لخلافته، غامضاً وسط ما نُقل عن مصدر أمني لبناني من أنّ «رئيس المجلس التنفيذي في«حزب الله»، كان في المكان الذي استهدفته إسرائيل في الضاحية الجنوبية لبيروت»، لافتاً إلى «انقطاع الاتّصال بصفي الدين منذ غارة فجر الجمعة ولا يُمكن الوصول إليه»، معتبراً أنّ «فرص نجاة أي شخص في مكان الاستهداف شبه معدومة».

وفيما نقلت قناة «العربية» عن مصادر أن صفي الدين سقط في الغارة مع مساعدين وإيرانيين وقادة بدلاء ميدانيين في «حزب الله» وأن الموقع المستهدف كان على عمق كبير، كانت ثلاثة مصادر أمنية لبنانية أبلغت إلى «رويترز» أن الضربات المكثفة على الضاحية تمنع رجال الإنقاذ من تمشيط موقع الضربة.

من جانبها، أفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن الهجوم استهدف صفي الدين وكان معه رئيس استخبارات الحزب، المعروف بـ «مرتضى» (حسين هزيمة)، ومحمد رشيد سكافي قائد منظومة الاتصالات.

ولم تحجب هذه الوقائع الخطيرة الأنظارَ عن ارتقاء إسرائيل في عدوانها إلى حدّ ضرب نقطة المصنع الحدودية بين لبنان وسورية، والتي تشكّل رئةً اقتصادية حيوية لدورها في حركة الاستيراد والتصدير براً، وسط خشية من اتجاه لقفل هذا الطريق بالتوازي مع تضييقٍ مستمر للخناق على حركة السفن، وما تنقله كما على الأجواء اللبنانية تحت عنوان منع وصول أسلحة إلى «حزب الله» (عبر مطار بيروت أو المرافئ) من شأنها «إعادة تكوين» مخزونه العسكري الذي تضربه تباعاً، وصولاً لمخاوف من أن يجري استهداف المطار بعد أن تنتهي عمليات إجلاء الرعايا الأجانب، وهي من الأكبر التي تُنظَّم، وهو ما دفع وزير الاقتصاد أمين سلام لإعلان أن «كل البلد بات تحت الحصار الإسرائيلي».

وفي موازاة ذلك، وعلى وهج إعلان مصدر عسكري إسرائيلي أن الجيش يستعدّ لتوسيع العملية البرية في جنوب لبنان قريباً وأنه سيدفع بلواءين إضافيين، عَكست الوقائعُ الميدانية تقدّماً بطيئاً وبعشرات الأمتار للقوات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، وهو ما عبّرت عنه بيانات «حزب الله» والتقارير عن اشتباكاتٍ على أرضِ قرى حدودية لبنانية وعن قتالٍ وجهاً لوجه ومن حي إلى حيّ، وخصوصاً على محوريْ العديسة – كفركلا ويارون – مارون الراس.

وإذ أقرّ الحزب في أحد بياناته بـ «الصور التي نشرها جيش العدو لجنوده قرب منازل في قرية حدودية جنوب لبنان»، موضحاً أنه «تم تصويرها في بقعة جغرافية تبعد عشرات الأمتار عن الأراضي المحتلة حيث أن بعض الجنوبيين بنوا منازلهم قرب الحدود»، ومشيراً إلى أنه «بهدف الحصول على هذه الصور كان الثمن أكثر من 20 قتيلاً وجريحاً في صفوف جنود النخبة»، فإن محاولات التوغل تواجه صعوبات كبيرة يعكسها حجم الخسائر البشرية والخشية من مفاجآت معاكسة يعدّها الحزب وقد يلجأ إليها في توقيتٍ ما عبر التسلل إلى الجليل ناهيك عن استمراره باستهدافات صاروخية كثيفة لتجمّعات جنود قبل انتقالهم إلى الحدود ولمستوطنات في الشمال كما في العمق الإسرائيلي حيث استهدف أمس، شركة «أتا» للصناعات العسكرية قرب سخنين شرق عكا، وذلك بعد ساعات من إعلانه قصف قاعدة رامات ديفيد الجوية جنوب شرقي مدينة حيفا، بينما أكد رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنه «يجب مواصلة ممارسة الضغط على حزب الله وتسديد ضربات إضافية ومتواصلة للعدو من دون تسهيلات ومن دون السماح له بفترة للتنفس».

نشرت القناة 12 الإسرائيلية، تقريراً يفيد بأن مسؤولاً أمنياً أبلغ أسر الرهائن بأن إدارة المؤسسة الأمنية ترجح أن القتال المكثف في الشمال سينتهي خلال أسبوعين أو 3 أسابيع.

وأضاف المسؤول، وفق موقع «تايمز أوف إسرائيل»، الجمعة، أن الهدف هو الوصول إلى اتفاق دبلوماسي مع «حزب الله» يمكّن إسرائيل من ضمان صفقة أسرى مع حركة حماس في قطاع غزة.

أعلنت أربعة مستشفيات على الأقل في لبنان، تعليق خدماتها الجمعة على وقع غارات إسرائيلية كثيفة في محيطها، بينما أعلنت هيئة صحية تابعة لـ «حزب الله» سقوط 11 من مسعفيها في الجنوب. وأفادت إدارة مستشفى سانت تريز الخاص عند تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت بـ«وقف الخدمات الاستشفائية» بعد وقوع «أضرار جسيمة» في المبنى والمعدات «بعدما استهدف الطيران الإسرائيلي بغارات عنيفة» مبنى المستشفى «وكل المعدات والتجهيزات الطبية».

جنوباً، أعلنت إدارة مستشفى ميس الجبل الحكومي الجمعة «إخلاءه ووقف العمل في كل أقسامه» مع «قطع الطرق وخطوط الإمداد… وصعوبة وصول» طاقمه.

وفي بلدة مرجعيون القريبة من الحدود، أغلق المستشفى الحكومي أبوابه بعد إجلاء موظفيه، إثر غارة عند مدخله الرئيسي.

ومساء الجمعة، أفادت الوكالة الوطنية الرسمية للإعلام بأن حرم مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل «تعرض لقصف مدفعي إسرائيلي».

زر الذهاب إلى الأعلى