هل ينبغي أن نستمر في العمل رغم تقدم العمر؟
ربما كانت الصورة النمطية التقليدية لكبار السن، ولا سيما في المجتمعات العربية، هي أنهم أشخاص يعانون من الضعف والوهن ويتقاعدون عن العمل بعد وصولهم إلى المرحلة العمرية التي يطلق عليها البعض اسم “خريف العمر”.
لكن التقدم العلمي وتحسن الرعاية الصحية وارتفاع متوسط عمر الفرد على مستوى العالم كلها أمور باتت تعني أن مزيدا من الأشخاص يعملون الآن لسنوات إضافية.
بعضهم يضطر إلى مواصلة العمل بعد سن التقاعد لحاجته إلى المال، في حين يشعر آخرون بأن مخزون عطائهم لم ينفد بعد رغم اشتعال الرأس شيبا.
فهل يجب أن نعمل في سنوات متقدمة من العمر؟
وفقا لأحدث التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة بشأن الآفاق السكانية للعالم، نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر تزداد بمعدل أسرع من معدل زيادة نسبة السكان الأصغر عمرا.
هذه الفئة العمرية تبلغ حاليا حوالي 10 في المئة من إجمالي عدد سكان الكوكب، ويتوقع أن تصل النسبة إلى 16 في المئة بحلول عام 2050، وهو ما سيعني أن عدد الأفراد الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر سيصبح ضعف عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمسة أعوام، ويكاد يساوي عدد الأطفال تحت سن الـ12 عاما.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، بحلول عام 2030، سيكون واحد من بين كل ستة أشخاص في العالم قد بلغ سن 60 عاما أو أكثر.
وتتوقع منظمة العمل الدولية أن يرتفع عدد المسنين في البلدان النامية بنسبة 350 في المئة بحلول نهاية القرن، في حين تتوقع أن تصل النسبة إلى 70 في المئة في البلدان المتقدمة (التي يوجد بها عدد أكبر من المسنين بالفعل، مقارنة بالدول النامية).
وكلما ازداد عدد الأشخاص المتقاعدين عن العمل وتباطأ نمو القوة العاملة، تباطأ نمو إجمالي الناتج المحلي أيضا وازدادت الأعباء التي تتحملها الميزانيات العامة للدول بسبب ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية وبرامج معاشات التقاعد لكبار السن.
تقول دوروثيا شميت-كلاو، مديرة فرع التوظيف وأسواق العمل والشباب بقسم السياسات التوظيفية بمنظمة العمل الدولية، إن أحد الخيارات للتغلب على ذلك هو “أن يعمل الأشخاص لفترة أطول، وأن يُسمح لمزيد من كبار السن بالبقاء في القوة العاملة أو إعادة الانضمام إليها. هذا خيار مهم جدا، ليس فقط لأنه سيقلل نسبة المسنين غير العاملين، ولكن لأنه سيعني أيضا أن العمال الأكبر سنا سيسهمون بشكل نشط في تخفيض معدل الفقر الذي يعاني منه المسنون، والذي يتسبب في قلق متنام للمجتمعات التي تعاني من شيخوخة السكان”.
وفي المتوسط، غالبا ما يعاني الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكثر من ظروف معيشية أسوأ من تلك التي يعيش فيها أفراد السكان الذين هم في سن العمل، وفقا للأمم المتحدة.
لكن شميت-كلاو تضيف: “لكي نكون واضحين تماما، نحن نتحدث هنا عن الأشخاص الذين يرغبون في أن يعملوا لسنوات أطول وأن يظلوا نشطين في أسواق العمل. لا ينبغي إجبار أي شخص على مواصلة العمل، ولا سيما بالنظر إلى أن كثيرا من الأشخاص الأكبر سنا ليسوا في حالة بدنية تؤهلهم للعمل، كما ينبغي أن تكون هناك نظم حماية اجتماعية مستدامة لحماية هؤلاء الأشخاص ضد الفقر”.
لكن المشكلة هي أن هناك من يضطرون إلى مواصلة العمل، ولا سيما في البلدان الفقيرة والنامية، لعدم حصولهم على معاشات تقاعد على الإطلاق، أو لكون تلك المعاشات غير كافية لضمان حياة كريمة لهم.
تنبه شميت-كلاو إلى أن البلدان النامية ستشهد أعلى زيادة في نسبة فقر المسنين. ولكنها تضيف أن تقديرات منظمة العمل الدولية تظهر نتائج مشجعة للغاية، وخصوصا بالنسبة لبلدان الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط والبلدان منخفضة الدخل، “فقد وجدنا أن تطبيق نظام معاش تقاعد أساسي عام في تلك البلدان سيؤدي إلى زيادة متوسط إنتاجها المحلي بنسبة 14.8 في المئة خلال 10 سنوات، وإلى تقليل نسبة الفقر المدقع بها بواقع 6 في المئة”.
ويرى مختصون أن السبب الرئيسي لذلك على الأرجح هو المعتقد السائد بأن الأشخاص الأكبر سنا لن يحققوا نفس القدر من الفائدة للقوة العامة الذي سيحققه الشباب لأن إنتاجيتهم تنخفض، ويأخذون الكثير من الإجازات المرضية، ويصبحون غير قادرين على التعامل مع التقنيات الجديدة – وهو معتقد تقول شميت-كلاو إن العديد من الأبحاث أثبت عدم صحته.(بي بي سي عربي)