سياسة

من سيستثمر نتائج المعركة في الداخل اللبناني؟

كتب سعد الياس في “القدس العربي”:

تراجع الاهتمام بالاستحقاق الرئاسي في لبنان وتقدم الاهتمام بالتطورات الأمنية في الجنوب في ضوء التصعيد الإسرائيلي الذي بلغ حد استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق ما أدى إلى مقتل عدد من قياديي «فيلق القدس» وتوعّد إيران بالرد على تل أبيب من دون أن يتضح بعد إذا كانت ستتولى الرد بنفسها أو ستوعز إلى أذرعها العسكرية وبينها حزب الله بهذا الرد علماً أن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله حسم الأمر في يوم القدس العالمي بأن طهران هي التي سترد.

ويعيش كثير من اللبنانيين في أجواء القلق مما تخبئه المرحلة المقبلة في ضوء نظرية «وحدة الساحات» التي حوّلت لبنان من وطن ودولة إلى ساحة يتغلغل فيها السلاح وينشط منها إطلاق الصواريخ من دون أي اعتبار لدستور أو لجيش أو لأمن واستقرار. أكثر من ذلك جاء الاحتفال بـ «يوم القدس العالمي» وما سبقه من احتفالية في الضاحية الجنوبية لبيروت لمناسبة «منبر القدس» ليعزّز صورة تحوّل بيروت إلى عاصمة مخطوفة بقوة الأمر الواقع حيث أطل في كلمات مسجّلة قادة محور المقاومة بدءاً برئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية والأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» زياد نخالة، وقائد حركة «أنصار الله» عبد الملك الحوثي وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وفي ظل غياب رئيس النظام السوري بشار الأسد و«الحشد الشعبي».

وإذا كانت أغلبية اللبنانيين متعاطفة ومتضامنة مع غزة ومع القضية الفلسطينية إلا أن البعض يحذّر من محاولة استغلال هذه القضية المحقة لمآرب وأجندات إقليمية لا تخدم فلسطين ولا الفلسطينيين بقدر ما تستخدم هذه القضية ورقة في سوق المفاوضات الدائرة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. وأكثر من عبّر عن هذا الواقع هو رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في الإفطار الذي أقامه في معراب عندما خاطب السفراء العرب وعدداً من المشايخ المسلمين بأنه «لو صدق أصحاب شعارات وحدة الساحات، لكان ينبغي في 8 تشرين الأول أو في 9 أو في 10 على الأكثر، أن تشتعل الجبهات كلها جدياً لمساندة غزة وليس لرفع العتب، بدءاً من إيران، مروراً بكل أذرعها في المنطقة» معتبراً أن «ما شهدنا حتى الآن هو تملصٌ تام من قبل إيران، مما يجري في غزة، واستعمال الحد الأدنى من أذرعها لمجرد القول إننا هنا».

ولعل فريق الممانعة في لبنان يستغل الشغور الرئاسي في قصر بعبدا لمزيد من حرية الحركة إلا في حال إيصال رئيس للجمهورية قريب من هذا المحور وتنطبق عليه صفة حماية ظهر المقاومة. وقد شكّل دخول حزب الله منفرداً على خط المواجهات من دون أي اعتبار للدولة اللبنانية ولا لرأي اللبنانيين استياء لم ينحصر بخصوم حزب الله التقليديين بل تعداه إلى حلفاء الحزب وفي طليعتهم التيار الوطني الحر الذي لا يتوقف بعض سياسييه وإعلامييه عن انتقاد خطوة حزب الله بفتح الجبهة الجنوبية إسناداً لغزة خلافاً لما جرى التوافق عليه في «تفاهم مار مخايل» من أن سلاح الحزب هو للدفاع عن لبنان فقط. ومن يراقب مواقع التواصل يرى كمية التراشق الذي يدور بين جمهور التيار والبيئة الحاضنة للحزب حول الخيارات الأخيرة والانخراط في المعركة التي بحسب جمهور التيار «ليست أكثر من شعارات فارغة ومن إضاعة لوقت ثمين من عمر الناس والوطن».

غير أنه وعلى الرغم من ذلك، لا يزال التيار الوطني الحر يحتفظ بشعرة معاوية في علاقته بحزب الله وما زال يتحفّظ على بند نزع سلاح حزب الله وتسليمه للدولة اللبنانية مثلما يقترح ممثلو القوات اللبنانية والكتائب في وثيقة بكركي التي يتم الإعداد لها، وهذا ما يؤخر صدور هذه الوثيقة بسبب الخلاف على هذا البند بين الأحزاب المسيحية وبسبب حرص التيار لغاية الآن على عدم الدخول في مواجهة مع الحزب في انتظار التوقيت الملائم. وهذا ما يجعل القوات تشكك بمدى صدقية التيار بالابتعاد عن حزب الله خلافاً لما تتطلبه الثوابت الوطنية من مواقف واضحة بخصوص السلاح والقرارات الدولية ذات الصلة ولاسيما القرار 1559. وقد يكون رئيس التيار النائب جبران باسيل ينتظر من الحزب تبدلاً في شأن دعمه رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية للرئاسة الأولى ليبني على الشيء مقتضاه أو أنه ينتظر إذا كان الحزب سيتولى الرد عن إيران على استهداف قنصليتها ليطوّر موقفه من مسألة حصر السلاح بيد الدولة انطلاقاً من أن هذا السلاح يؤدي وظيفة خارجية لا علاقة لها بلبنان.

يبقى أن إنخراط حزب الله في جبهة إسناد غزة ومشاغلة العدو الإسرائيلي لم يحقق أهدافه لغاية الآن بل تسبب بدمار كبير في القرى الحدودية المتاخمة للخط الأزرق وبثمن غير قليل من الشهداء على طريق القدس وبنزوح قُدر بـ 100 ألف، وهذه الفاتورة الكبيرة هي التي حملت أمين عام حزب الله على الطلب من المنابر الإعلامية المؤيدة لمسار المقاومة التركيز على حجم الخسائر في صفوف إسرائيل والمستوطنات الشمالية كي «لا يسعى العدو لتحويل صورة الانجازات التاريخية للمقاومة إلى صورة هزيمة من خلال تشويه الحقائق». وينطلق نصرالله في هذا الموقف من رغبة لديه في التعمية على انقلاب موازين القوى وتغيّر المعادلات مع إسرائيل التي أظهرت بعد 8 تشرين الاول أن لا قدرة لسلاح الحزب لا على حماية لبنان ولا على حماية مقاتليه أو الإمساك بزمام المبادرة، في مقابل تركيز الحديث مجدداً عن انتصار شبيه بحرب تموز لاستثماره في الداخل اللبناني ومحاولة تحقيق مكاسب سياسية بدلاً من أن تستثمر قوى المعارضة ما آلت إليه المواجهات مع إسرائيل في مقابل تحلّي الحزب بـ «الصبر الاستراتيجي».

زر الذهاب إلى الأعلى