سياسة

هل ينجح ماكرون بعرقلة فوز اليمين المتطرّف؟

كتب أسامة العرب في “اللواء”:

في الجولة الأولى من انتخابات الجمعية الوطنية الفرنسية، حصل حزب التجمع الوطني المنتمي لليمين المتطرف وحلفائه على 33% من الأصوات، فيمَا جاء تحالف الجبهة الشعبية الجديدة في المركز الثاني بنسبة 28% من الأصوات، في حين حصل تحالف الوَسط «معاً من أجل الجمهورية» الذي ينتمي له ماكرون على 20%. مما أثار مخاوف من إمكانية وصولهم إلى السلطة. ومع تصاعد الدعوات لتشكيل تحالف واسع لمواجهة هذا التهديد، يبرز السؤال: هل يمكن للرئيس إيمانويل ماكرون أن يعرقل وصول اليمين المتطرف للسلطة بواسطة تحالفات موسّعة؟

بادئ ذي بَدْء، لا بد من الإشارة إلى أنه على الرغْم من تقدّم التجمع الوطني اليميني المتطرف، قد لا يحصل هذا الحزب على أغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، ما يفتح الباب أمام تحالفات معقّدة ومفاوضات سياسية مكثفة قبل جولة الإعادة، حيث تشير التجارِب السابقة إلى إمكانية تشكيل جبهة «كالجبهة الجمهورية» لمنع وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، لا سيما أن ذلك قد حدث في عام 2002 عندما تشكّلت هذه الجبهة لمنع جان ماري لوبان، والد مارين لوبان، لمنعه من الفوز في الانتخابات الرئاسية ضد الرئيس جاك شيراك.

وقد أثمر ذلك التحالف حينها، حينما فاز شيراك بنسب أصوات وصلت إلى 80%، وهي نسبة لم يحصل عليها أي رئيس آخر في الجمهورية الخامسة، حتى الرئيس الأعظم لفرنسا شارل ديغول، ما يعطي الأمل اليوم لماكرون لتشكيل نموذج تحالف مماثل في الجولة الثانية يضم كافة الأطراف القريبة منه، لا سيما المعتدلين من اليسار واليمين الذين من الممكن أن تتحد مصالحهم معاً لهزيمة اليمين المتطرف، حيث صرّح ماكرون مؤخراً بضرورة أن يجتمع النساء والرجال ذوي النوايا الحسنة، والذين سيكونون قادرين على رفض التطرف، والذين سيضعون أنفسهم في وضع يسمح لهم ببناء مشروع مشترك مخلص ومفيد للبلاد، التي تتبنّى قيم الجمهورية من حرية وإخاء ومساواة.

وعليه، فإن التحدي الرئيسي أمام ماكرون اليوم هو توحيد صفوف الأحزاب المختلفة تحت مظلة واحدة لمواجهة اليمين المتطرف؛ ولمواجهة اليمين المتطرّف يبرز حتى الآن تحالف اليسار الذي يضم أقصى اليسار والحزب الاشتراكي والخضر، الذي يمكنه تشكيل حكومة أقلية إذا حصل على دعم كافٍ. ومع ذلك، فإن الصعوبة تكمن لدى ماكرون في تحقيق التوافقات مع الأطراف المعتدلة، خاصة في ظل تحالف البعض منها مع الأطراف المتطرفة، سواء من اليمين أو اليسار، مما يشكّل عائقاً أمامه لتحقيق نصره المنشود.

لذا، فهل سيتمكن الرئيس الشاب في الأيام المقبلة من استقطاب أحزاب يمين الوَسَط واليسار لائتلافه، من منطلق وحدة المصالح لإسقاط اليمين المتطرف في الجولة الثانية؟ إذا تحقق هذا التعاون، بالطبع فإنه سيقلّص بشكل كبير فرص التجمع الوطني في الحصول على الأغلبية المطلقة، وحتى النسبية، في الجمعية الوطنية.

ما يطمئن بأن مساعي الرئيس الفرنسي ماكرون لن تذهب هدراً، حجم ردود الفعل الشعبية، عقب صدور نتائج الانتخابات الأولية، حيث خرج آلاف الأشخاص في فرنسا إلى الشوارع للتظاهر ضد صعود اليمين المتطرف في أعقاب الأداء القوي لحزب التجمع الوطني في الجولة الأولى من الانتخابات. كما احتشد الفرنسيون في باريس والعديد من المدن الأخرى للاحتجاج ضد حزب مارين لوبان والتحوّل نحو اليمين المتطرف في فرنسا. حيث شهدت ساحة الجمهورية في العاصمة الفرنسية تجمعاً احتجاجياً ضخماً بفعل دعوة التظاهر التي أطلقها التحالف اليساري الجديد. كما جرت مسيرات احتجاجية أيضاً في نانت وديجون وليل ومرسيليا؛ واندلعت اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في ليون، حيث تعرّض ضباط الشرطة للضرب بالزجاجات والألعاب النارية.

علاوة على ذلك، فقد صرّح جان لوك ميلينشو، زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري الراديكالي، أنه لن يسمح لحزب التجمع الوطني بالفوز في أي مكان، وسيسحب مرشحيه في الدوائر التي حلّ فيها حزب التجمع الوطني في المركز الأول. هذا ما يعطي ماكرون اندفاعة كبيرة في قدرته على إقناع أطراف مختلفة كثيرة بالتخلّي عن تنافسهم الانفرادي لمصلحة التحالف المشترك ضد اليمين المتطرف.

ولكن من ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى رفض حزب الجمهوريين (يمين محافظ) الذي حصل على نحو عشرة في المئة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية في فرنسا، دعوة ناخبيه إلى «التصويت ضد التجمع الوطني اليميني المتطرف في الدورة الثانية»، حيث أوضحت قيادة الحزب، في بيان لها، أنه «حيث لن نكون موجودين في الدورة الثانية، وبالنظر إلى أن الناخبين أحرار في خيارهم، لن نصدر تعليمات وطنية، وسنترك الفرنسيين يعبّرون استناداً إلى ضمائرهم». وبموازاة ذلك، اعتبر النائب الأوروبي عن الجمهوريين فرنسوا كزافييه بيلامي أن «الخطر الذي يهدّد بلادنا اليوم هو اليسار المتطرف».

وعليه، فإن التحديات لجمع الأحزاب الفرنسية المختلفة تحت راية واحدة ليس بالأمر السهل، لا سيما أنه يشمل وجوب جمعهم على كيفية مواجهة التباينات بينهم في الشؤون الداخلية والسياسية، حيث هنالك خلافات جذرية بينهم حول ملفات اقتصادية وسياسية جمّة، مما يشكّل عائقاً أمام قدرة ماكرون على تكوين تحالفات واسعة لخوض الجولة الثانية من الانتخابات، تمهيداً لتشكيل حكومة ائتلافية تدعمه.
تأسيساً على ذلك، إذا ما فشل ماكرون في الأسبوع المقبل في تشكيل تحالف موسّع، فإن فرنسا ستواجه في السنوات المقبلة حالة من الشلل السياسي لحاجة كل من الأفرقاء المتعددين في الجمعية الوطنية لتكوين ائتلافات تمكّنهم من تكوين أغلبية مطلقة لدعم وزير أول جديد لا تُسحب الثقة من حكومته. وما يعزز هذا الاحتمال، كل هذه المظاهرات الشعبية التي شهدناها مؤخراً في فرنسا، احتجاجاً على تصدر التجمع الوطني اليميني المتطرف نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، مما يرجح عدم حصوله على أغلبية مطلقة برلمانية، تمكّنه تعطيل أو تعديل مقترحات الحكومة. ولكن في المقابل، نعود ونكرر إذا ما نجح ماكرون في تشكيل تحالفه الواسع، فإن ذلك سيمكنه من منع اليمين المتطرف بكل تأكيد من الحصول على الأغلبية المطلقة واستلام رئاسة الحكومة ومشاركته في السلطة والقرار، مما سيسهم أكثر في استقرار المشهد السياسي الفرنسي.

ختاماً، إن السبيل الوحيد لمنع اليمين المتطرف من الوصول إلى السلطة يكمن في تشكيل تحالف واسع يجمع كافة الأطراف التي تتبنّى قيم الجمهورية استناداً إلى تجرِبة «الجبهة الجمهورية» عام 2002 كما سبق أن ذكرنا، خصوصاً أن هذا اليمين المتطرف انتقل مؤخراً لصفوف المغالين في الدفاع عن الصهيونية والوقوف في وجه الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، وطرد المهاجرين والتشدّد في منح الجنسيات للعرب والمسلمين، ولهذا فإننا نأمل أن يتمكن ماكرون من النجاح في توحيد صفوف الأحزاب المختلفة والتغلب على التحديات السياسية الداخلية والفوز مع حلفائه بأغلبية مقاعد الجمعية الوطنية.

في النهاية، إن الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل فرنسا السياسي ومصير ملايين من المهاجرين العرب والمسلمين، مكتفين بالقول اللهم ألطف بعبادك الصالحين.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى