Uncategorized

أوكرانيا تجند المجرمين وأرباب السجون

سامر زريق نقلاً عن “إيلاف”

واصل الجيش الروسي في الأسابيع الأخيرة تسجيل تقدمه الميداني في عدد من مناطق ومدن، شرق أوكرانيا، بالرغم من النجدات الغربية الهائلة التي قدّمتها في الأشهر القليلة الفائتة لكييف.

وأمام ترنح القوات الأوكرانية، قررت كييف إجراء تعديلات كبيرة في استراتيجيتها العسكرية، بالتنسيق مع أميركا وحلف شمال الأطلسي (الناتو). إذ بدأت باستهداف مصافي النفط ومستودعات الوقود في عمق الأراضي الروسية، تبعها موجة هندسات رئاسية في المراكز القيادية والعسكرية، وصولاً الى إخراج المجرمين والقتلة من السجون الأوكرانية الى ميادين القتال.

تشريع تجنيد المجرمين
صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية كشفت في تقرير لها منذ أيام، أنّ كييف “تعتزم تجنيد سجناء من أجل القتال”، مبيّنة أن ذلك سيشمل “المدانين بالقتل والاحتيال” حسب القانون الذي أقره البرلمان الأوكراني في 8 أيار (مايو) الجاري.

وبذاك، فإنَّ القيادة الأوكرانية تكون قد خرقت التقاليد العسكرية الراسخة المتبعة في الجيوش الكلاسيكية، عبر تحويل المجرمين والقتلة إلى وحدات قتالية، بالرغم من معرفتها المسبقة بما سينجم عن هذه الخطوة من مجازر دموية وانتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان، على يد أشخاص ليسوا عسكريين محترفين يلتزمون بقرارات القيادة وسلاسل الأوامر، إنما مجموعة مجرمين سيتبارزون في القتل والنهب وترويع المدنيين.

وبالطبع، فإنَّ ذلك لن يكون قاصراً على المواطنين الروس، بل سيشمل الأوكرانيين أيضاً في ظل صعوبة ضبط كارتيلات المجرمين وأمزجتهم، ولا سيما مع انتشائهم بعاملي القوة والسلاح.

كان بإمكان كييف أن تختصر “طريق الآلام” هذه من خلال الرضوخ للحقائق التاريخية والجيوسياسية، والعودة إلى طاولة المفاوضات مع موسكو. لكنها لا تزال تفضل الانصياع لرغبات الغرب وحلف “الناتو” في مساعيهما لكسر روسيا مهما كان الثمن.

مع ذلك، يشير تقرير “فايننشال تايمز” الى أن استخدام المجرمين وأرباب السجون لن يفضي إلا الى تجنيد “بضعة آلاف من أصل نحو 20 ألف سجين، وهو جزء بسيط مما تحتاجه أوكرانيا”. فحسب تقديرات غربية، وتصريحات قادة عسكريين، تحتاج أوكرانيا الى مئات آلاف الجنود.

وكان القائد العام للقوات الأوكرانية فاليري زالوجني قال في تصريحات صحفية في شباط (فبراير) الماضي إنّ أوكرانيا “بحاجة ماسة الى نحو نصف مليون جندي إضافي على خط المواجهة”. بيد أن هذه التصريحات كلفته منصبه، حيث أقاله الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي في الشهر نفسه، وعين مكانه قائد القوات البرية الجنرال ألكسندر سيرسكي. هذا بالرغم من إقرار زيلينسكي بأن “الأوكرانيين سئموا القتال”، خلال اجتماع مع زالوجني قبل إصدار مرسوم إقالته.

حملة إقالات
مقصلة الإقالات لم تقتصر على زالوجني، بل شملت أيضاً عدداً كبيراً من الجنرالات والمستشارين. وهو أسلوب دأب زيلينسكي على اتباعه منذ أيلول (سبتمبر) 2023، حينما أقال وزير دفاعه للتغطية على فضائح الفساد التي تسربت من داخل أروقة الجيش.

وفي شهر آذار (مارس)، أقال زيلينسكي: الأمين العام لمجلس الأمن الأوكراني، ومساعديْ رئيس مكتبه، ومفوضة الرئيس لحقوق المدافعين عن أوكرانيا، ومفوضة الرئيس للأنشطة التطوعية، وعدداً آخر من مساعديه الشخصيين، أبرزهم على الإطلاق سيرغي شيفر الذي يعد يده اليمنى.

وعلى طريقة لعبة “الدومينو”، استمرت سلسلة الإقالات، فشملت قادة وحدات قتالية، والتي عكست في مكان ما مدى التخبط السائد في أروقة صنع القرار الأوكراني، سواءً القرار السياسي أم ذاك العسكري.

في 9 أيار (مايو)، أقال كذلك قائد القوات الخاصة، للمرة الثانية خلال ستة أشهر فقط، عبر مرسوم رئاسي، نص على تعيين البريجادير ألكسندر تريباك مكان سيرهي لوبانتشوك. كما أقال أيضاً في مرسوم رئاسي ثانٍ المسؤول عن أمنه الشخصي سيرغي لونيدوفيتش، والذي ترأس جهاز الحماية منذ عام 2019، دون أن يعين بديلاً له.

وبلغ التخبط ذروته لدى زيلينسكي بتعيين دميترو خيرخا قائداً لقوات الدعم في الجيش، بعد شهر فقط من إقالته من المنصب نفسه، دون تقديم أي تبريرات، لا حول عودته ولا سبب إقالته من قبلها.

مع أن هذه الإقالات ترمي إلى تعبيد الطريق أمام تغيير الاستراتيجية القتالية، وإدخال المرتزقة والمجرمين، إلا أن نظام زيلينسكي سعى الى الترويج لسرديات إعلامية جذابة على الصعيد الجماهيري، تستبطن إيجاد مسوغات أخلاقية وقانونية لها، والتخفيف من تأثيرها السلبي على الأوكرانيين نتيجة التخبط.

إذ يمكن اعتبار تلك الإقالات وكذلك الاستعانة بالمجرمين للقتال، بمثابة “هندسات رئاسية” في المراكز القيادية السياسية والعسكرية، القصد منها إثارة الغبار والضجيج، لحرف الأنظار عن كل ما يجري في أرض الميدان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى